فهكذا الدعوة إلى الشريعة إذا كانت مقرونة بالشدة والضعف تنتج عكس المطلوب حيث لا تجد لها أُذناً صاغية ، بل يخرج الناس منها أفواجاً. ولأجل ذلك صدع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بسهولة شريعته ، وقال : « بعثت بالشريعة السهلة السمحة ». ١
١٠. دلّت الآيات القرآنية على أنّ التكليف على القدر المستطاع وقد أطبق عليه العقل والنقل ، إذ كيف يمكن تكليف الناس بأعمال ، كإدخال الشيء الكبير في الظرف الصغير ، من دون تغيّر في الظرف والمظروف ؟ أو التحليق في الهواء دون وسيلة ، إلى غير ذلك من الأُمور الممتنعة التي تدخل في نطاق التكليف بما لايُطاق ، حتى أنّ محقّقي العدلية ذهبوا إلى أنّ هذا النوع من التكليف المحال ، بمعنى أنّه لا ينقدح في ذهن الآمر ، الطلب والإرادة الجدية المتعلِّقة ببعث العاجز إلى المطلوب ، ولو تظاهر به فإنّما تظاهر بظاهر التكليف لا بواقعه.
فتكون النتيجة : انّ امتناع المكلف به يلازم امتناع نفس التكليف أيضاً ، يقول سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ). ٢
وقال في آية أُخرى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا ). ٣
ومضمون كلتا الآيتين واحد ، وهو أنّ الله يكلّف الإنسان بقدر طاقته وقابليته.
هذه نماذج استعرضناها لإثبات أنّ التشريع الإسلامي يتمتّع بمرونة ، وأنّه مبنيٌّ على أساس العدل.
وفي الحقيقة انّ التشريع الإسلامي من مظاهر عدله في هذا المجال.
__________________
١. سفينة البحار : ١ / ٦٩٥. |
٢. البقرة : ٢٨٦. |
٣. الطلاق : ٧.