هذا الحديث غريباً في مورده ، بل له نظائر في كلمات الإمام وغيره من آبائه وأبنائه عليهمالسلام.
٢. لما سمّ المتوكّل نذر لله إن رزقه الله العافية أن يتصدّق بمال كثير ، أو بدراهم كثيرة ، فلمّا عوفي اختلف الفقهاء في مفهوم « المال الكثير » ، فلم يجد المتوكّل عندهم فرجاً ، فبعث إلى الإمام علي الهادي عليهالسلام فسأله ، قال : « يتصدّق بثلاثة وثمانين ديناراً » ، فقال المتوكّل ، من أين لك هذا ؟ فقال : من قوله تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ... ) ١ والمواطن الكثيرة : هي هذه الجملة ، وذلك لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غزا سبعاً وعشرين غزاة ، وبعث خمساً وخمسين سرّية ، وآخر غزواته يوم حنين » ، وعجب المتوكّل والفقهاء من هذا الجواب. ٢ وقد ورد عن طريق آخر أنّه قال : بثمانين مكان « ثلاثة وثمانين » ، وذلك لأنّ عدد المواطن التي نصر الله المسلمين فيها إلى يوم نزول هذه الآية كان أقلّ من ثلاثة وثمانين. ٣
٣. إنّ للإمام الهادي عليهالسلام رسالة في الردّ على الجبر والتفويض ، وإثبات المنزلة بين المنزلتين ، فقد استعان في إبطال المذهبين الذين كان يدين بهما أهل الحديث ، والمعتزلة بكثير من الآيات على شكل بديع ، ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من إحاطته بالآيات ونضدها بشكل يوصل الجميع إلى الغاية المطلوبة ، نقتبس منها ما يلي :
فأمّا الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ ، فهو قول من زعم أنّ الله ـ جلّ وعزّ ـ أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول ، فقد ظلم الله في حكمه وكذّبه ورّد عليه قوله : ( ... وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) ٤ وقوله : ( إِنَّ اللهَ لا
__________________
١. التوبة : ٢٥. |
٢. تذكرة الخواص : ٢٠٢. |
٣. مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٠٢. |
٤. الكهف : ٤٩. |