مثيلاً في القرون الأُولى ، وقد دام ذلك النمط حتى غلب على النمط العلمي ، وذلك عند تسرّب الاتجاه الاخباري إلى الأوساط العلميّة.
ولمّا حل القرن الرابع عشر ، وقف غير واحد من المفكّرين الإسلاميّين وقادتهم على الوضع المؤسف المحدق بالمسلمين بسبب تأخرهم عن موكب الحضارة ، ونشوب أظفار الاستعمار ببلاد المسلمين ، وعند ذلك شعروا بأنّ إحياء المجد الداثر وتجديد الحضارة الإسلامية في جميع أبعادها رهن العودة إلى القرآن الكريم من جديد وتطبيقه على الحياة بدل العناية الزائدة بقراءات القرآن وحججها أو المناقشة في الاعراب ودلائله ، فرجعوا إلى أحضان كتاب الله ، ونظروا إليه بمنظار خاصّ فاكتشفوا ـ حقّاً ـ آفاقاً جديدة ، غفل عنها الأقدمون ، آفاقاً ترتبط بالحياة عن قريب ، وتعدّ أُسساً لها ، فعطفوا اهتمامهم على تلك المباحث والآفاق المكتشفة ، وعكفوا على دراستها دراسة معمّقة ، فازدهرت المدارس ومحافل العلماء بالأبحاث القرآنية ، وانتشرت تفاسير بنمط حديث لم يكن لها مثيل في القرون السابقة ، فعند ذلك حصل تطوير جديد أعمق بكثير من التطوير العلمي الحاصل بيد أمثال الشريف الرضي وأخيه المرتضى ، وفي الحقيقة هذا المنهج الموجود في عصرنا الحاضر تطوير حديث ومنهج متكامل يتفوّق على المنهج العلمي ، ولم يكن بدّ للمفكرين من إبداع هذا التطوير وذلك لوجهين :
الأوّل : انّ الغزو الفكري الذي تعرّض له الإسلام والمسلمون بمختلف أشكاله من خلال تأسيس علوم اجتماعية ونفسيّة واقتصادية و ... ، وابداع نظريات حديثة حول النبوّة والوحي وغير ذلك ألجأ المفكّرين إلى دراسة هذه الآراء والبحث عنها بحثاً جذرياً حتى يصونوا بأبحاثهم القيّمة ، الإسلام والمسلمين عن تأثير هذه السموم التي بثّها ويبثها علماء الغرب في الشرق في صورة حقائق راهنة.