أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ). ١
هذه نبذة من السنن الإلهيّة السائدة في الفرد والمجتمع. وفي وسع الباحث أن يتدبر في آيات الكتاب العزيز حتى يقف على المزيد من سننه تعالى وقوانينه ، ثمّ يرجع إلى تاريخ الأُمم وأحوالها فيُصدِّق قوله سبحانه : ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ).
هذا كلّه حول القضاء والقدر بمعنى السنن الكونية ، وإليك البحث في المعنى الثاني.
ب : القضاء والقدر التكوينيّان
قد علمت أنّ وجود كلّ شيء رهن تقديره وتحديده أوّلاً ، ثمّ وصول الشيء حسب اجتماع أجزاء علته إلى حد ، يكون وجوده ضرورياً وعدمه ممتنعاً بحيث إذا نسب إلى علته يوصف بأنّه ضروري الوجود ، ولأجل ذلك ترى أنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام يفسرون القدر بالهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء بالإبرام وإقامة العين. ٢
وعلى ذلك فلا يوجد في صفحة الوجود الإمكاني إلاّ في ظل هذين الأمرين ، ومن المعلوم انّ التقدير والقضاء بالمعنى السابق لا يتخذ ذريعة إلاّ في مورد فعل الإنسان حيث يتصور انّ وجوب وجوده ينافي الاختيار وبالتالي ينافي
__________________
١. فاطر : ٤٢ ـ ٤٣. |
٢. الكافي : ١ / ١٥٨. |