نفوسهم حتى بعد إسلامهم رغم ما تلقّوه من التعاليم الإسلامية والتربية القرآنية ، ولذلك كانت تلك النزعة تظهر بين الفينة والأُخرى وينشب بسببها النزاع ويكاد يتسع لولا حكمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وتدبيره.
ويكفي في ذلك ما رواه أهل السير في تفسير قوله سبحانه : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ). ١
وقد نشب نزاع في العام السادس من الهجرة في أرض بني المصطلق عند ماء ، حيث تنازع رجلان أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار على سقي الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، والآخر قال : يا معشر المهاجرين ، فاجتمع من كلٍّ رهطٌ بسيوفهم ، فلولا حكمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لسالت دماء في أرض العدو حيث قدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « دعوها فانّها دعوى منتنة » ٢ يعني أنّها كلمة خبيثة لأنّها من دعوى الجاهلية ، وجعل الله المؤمنين إخوة وحزباً واحداً.
وكم لهذا الموقف من نظائر في التاريخ ، وبإمكانك أن تقرأ دور شاس بن قيس الذي كان شيخاً من اليهود كيف خطّط لإثارة النعرات الطائفية بين الأوس والخزرج حتى كادت أن تندلع الفتنة بينهما مرة أُخرى إلا أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخمدها بحكمة بالغة ، قائلاً : يا معشر المسلمين الله الله ، أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألّف به بين قلوبكم ». ٣
__________________
١. المنافقون : ٨. |
٢. السيرة النبوية : ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١. |
٣. السيرة النبوية : ١ / ٥٥٥ ـ ٥٥٧.