يحفظهم من التذبذب والتراجع إلى الوراء.
وهذا الحد من الكمال لم يكن حاصلاً في فترة قصيرة ، وتشهد على ذلك الأحداث والوقائع التي كشفت عن تأصُّل الأخلاق الجاهلية في نفوسهم وعدم تغلغل الإيمان في قلوبهم ، حتى أنّنا نجد أنّ القرآن يشير إلى ذلك تعليقاً على ما حدث ووقع منهم في معركة أُحد ، إذ يقول سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ). ١
ويقول أيضاً : ( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ ). ٢
وربما يتصوَّر أنّ هذه النكسات تختص بالسنين الأُولى من الهجرة ، ولا تختص بالسنين التي أعقبت وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لانتشار الإسلام في الجزيرة العربية واعتناق خلق كثير منهم الإسلام ، ولكن التاريخ يرد تلك المزعمة ويثبت عدم بلوغهم الذروة في أمر القيادة بحيث تغنيهم عن نصب قائد محنّك من جانبه سبحانه.
وهذه هي غزوة « حنين » التي غزاها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في السنة الثامنة ، وقد أُصيب المسلمون بهزيمة نكراء تركوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ساحة الوغى ولم ينصره سوى عدد قليل ، فلمّا رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تفرَّق المسلمين حينها قارعهم بصوت عال ، وقال : « أيّها الناس هلمُّوا إليّ أنا رسول الله » ، إلى غير ذلك من الكلمات التي علّمها لعمَّه العباس حتى يُجهر بها ، وقد نقل القرآن الكريم إجمال تلك الهزيمة ، وقال : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ
__________________
١. آل عمران : ١٤٤. |
٢. آل عمران : ١٥٤. |