لكن هل يجب على العامل العمل حينئذ ثم يطالب بالأجرة بعده ، أو أن له الامتناع أيضا ، لاحتمال الضرر عليه بحصول العمل منه ، وعدم تسلم الأجرة ، الظاهر الثاني ، ولكن لما لم يمكن التقابض هنا لم يتجه جبر الحاكم لهما عليه جمعا بين الحقين كما في العينين فيتعين جمعه بينهما بتسلم الأجرة من صاحبها ووضعها في يده أو في يد ثالث حتى يعمل العامل.
وربما كان في خبر الغنوي (١) عن أبي عبد الله عليهالسلام إشارة إليه في الجملة « قال سألته عن رجل استأجر أجيرا ولم يأمن أحدهما صاحبه ، ودفع الأجر على يدي رجل وهلك ذلك الرجل ولم يدع وفاء واستهلك ذلك الأجر؟ فقال عليهالسلام : المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي ، إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك ، فرضي به ، فإن فعل فحقه حيث وضعه ورضى به » باعتبار عدم تعرضه عليهالسلام لعدم جواز امتناع الأجير عن العمل ، إذا لم يبذل المستأجر الأجرة ، ولو على يد ثالث.
على أن ذلك مقتضى المعاوضة ، إذ كما أن احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الأجرة لاحتمال عدم حصول العمل ، فكذلك يحتمل أيضا بتعجيل العامل العمل قبل قبض الأجرة ، لاحتمال عدم حصولها.
ودعوى أن بناء المعاوضة على العمل على ذلك ـ يدفعها وضوح منعها ، بل ليس ذلك أولى من العكس ، ضرورة أن الأجرة قد استحقت بالعقد ، وملكها الأجير به ، ويمكن تسليمها له دفعة ، والعمل تدريجي لا يمكن حصوله إلا بعد زمان ، كما أن دعوى الإجماع على خروج ذلك عن حكم المعاوضات ـ فيجب على العامل أن يعمل ، ثم بعد ذلك يطالب بالأجرة ، وهو معنى قولهم أن الأجير يستحق الأجرة بعد العمل ـ واضحة المنع ، إذ ليس في كلام الأصحاب ما يقتضي إخراج الفرض عن حكم المعاوضة بالنسبة إلى ذلك.
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.