الجزاء وموطنه ، فقيل : إِنه وقت العمل ، وقيل : حين الموت ، وقيل : الآخرة ، وقيل : وقت العمل بالموافاة بمعنى أنه لو لم يدم على ما هو عليه حال العمل إِلى حين الموت وموافاته لم يستحق ذلك إِلا أن يعلم الله ما يؤل اليه حاله ويستقر عليه ، فيكتب ما يستحقه حال العمل .
وقد استدل أصحاب كل قول بما يناسبه من الآيات ، فإِن فيها ما يناسب كلاً من هذه الاوقات بحسب الانطباق ، وربما استدل ببعض وجوه عقلية ملفقة .
والذي ينبغي أن يقال : إِنا لو سلكنا في باب الثواب والعقاب والحبط والتكفير وما يجري مجراها مسلك نتائج الأعمال على ما بيناه في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا الآية » ـ ٢٦ ، كان لازم ذلك كون النفس الإنسانية ما دامت متعلقة بالبدن جوهراً متحولاً قابلاً للتحول في ذاته وفي آثار ذاته من الصور التي تصدر عنها وتقوم بها نتائج وآثار سعيدة أو شقية ، فإِذا صدر منه حسنة حصل في ذاته صورة معنوية مقتضية لاتصافه بالثواب ، وإِذا صدر منه معصية فصورة معنوية تقوم بها صورة العقاب ، غير أن الذات لما كانت في معرض التحول والتغير بحسب ما يطرئها من الحسنات والسيئات كان من الممكن أن تبطل الصورة الموجودة الحاضرة بتبدلها إِلى غيرها ، وهذا شأنها حتى يعرضها الموت فتفارق البدن وتقف الحركة ويبطل التحول واستعداده ، فعند ذلك يثبت لها الصور وآثارها ثبوتاً لا يقبل التحول والتغير إِلا بالمغفرة أو الشفاعة على النحو الذي بيناه سابقاً .
وكذا لو سلكنا في الثواب والعقاب مسلك المجازاة على ما بيناه فيما مر كان حال الانسان من حيث اكتساب الحسنة والمعصية بالنسبة الى التكاليف الالهية وترتب الثواب والعقاب عليها حاله من حيث الاطاعة والمعصية في التكاليف الاجتماعية وترتب المدح والذم عليها ، والعقلاء يأخذون في مدح المطيع والمحسن وذم العاصي والمسيء بمجرد صدور الفعل عن فاعله ، غير أنهم يرون ما يجازونه به من المدح والذم قابلاً للتغير والتحول لكونهم يرون الفاعل ممكن التغير والزوال عما هو عليه من الانقياد والتمرد ، فلحوق المدح والذم على فاعل الفعل فعلي عندهم بتحقق الفعل غير أنه موقوف البقاء على عدم تحقق ما ينافيه ، وأما ثبوت المدح والذم ولزومهما بحيث لا يبطلان قط فإِنما يكون إِذا ثبت حاله بحيث لا يتغير قط بموت أو بطلان استعداد في الحياة .