وسنعود إِلى هذه المسألة بزيادة توضيح في بحث علمي مخصوص بها .
قوله تعالى : الطلاق مرتان فإِمكساك بمعروف أو تسريح بإِحسان ، المرة بمعنى الدفعة مأخوذة من المرور للدلالة على الواحد من الفعل كما ان الدفعة والكرة والنزلة مثلها وزناً ومعنى واعتباراً .
والتسريح أصله الاطلاق في الرعى مأخوذ من سرحت الابل وهو ان ترعيه السرح ، وهو شجر له ثمر يرعاه الإبل وقد استعير في الآية لإطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع اليها في العدة ، والتخلية عنها حتى تنقضي عدتها على ما سيجيء .
والمراد بالطلاق في قوله تعالى : الطلاق مرتان ، الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة ولذا أردفه بقوله بعد : فإِمساك « الخ » ، واما الثالث فالطلاق الذي يدل عليه قوله تعالى : فإِن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره الآية .
والمراد بتسريحها بإِحسان ظاهراً التخلية بينها وبين البينونة وتركها بعد كل من التطليقتين الاوليين حتى تبين بانقضاء العدة وإِن كان الأظهر انه التطليقة الثالثة كما هو ظاهر الإطلاق في تفريع قوله : فإِمساك « الخ » ، وعلى هذا فيكون قوله تعالى بعد : فإِن طلقها « الخ » بياناً تفصيلياً للتسريح بعد البيان الإجمالي .
وفي تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان من لطيف العناية ما لا يخفى ، فإِن الإمساك والرد إِلى حبالة الزوجية ربما كان للاضرار بها وهو منكر غير معروف ، كمن يطلق امرأته ثم يخليها حتى تبلغ أجلها فيرجع اليها ثم يطلق ثم يرجع كذلك ، يريد بذلك إيذائها والإضرار بها وهو اضرار منكر غير معروف في هذه الشريعة منهي عنه ، بل الإمساك الذي يجوزه الشرع ان يرجع اليها بنوع من انواع الالتيام ، ويتم به الانس وسكونْ النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة .
وكذلك التسريح ربما كان على وجه منكر
غير معروف يعمل فيه عوامل السخط والغضب ، ويتصور بصورة الانتقام ، والذي يجوزه هذه الشريعة ان يكون تسريحاً بنوع يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع ، وهو التسريح بالمعروف كما قال تعالى
في الآية الآتية فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، وهذا التعبير هو الاصل في إِفادة المطلوب الذي ذكرناه ، واما ما في هذه الآية أو تسريح بإِحسان ، حيث قيد