مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » الانبياء ـ ٢٨ ، فالظاهر ان ضمير الجمع الغائب راجع الى الشفعاء الذي تدل عليه الجملة السابقة معنى فعلمه تعالى بما بين ايديهم وما خلفهم كناية عن كمال احاطته بهم ، فلا يقدرون بواسطة هذه الشفاعة والتوسط المأذون فيه على انفاذ امر لا يريده الله سبحانه ولا يرضى به في ملكه ، ولا يقدر غيرهم ايضاً ان يستفيد سوئاً من شفاعتهم ووساطتهم فيداخل في ملكه تعالى فيفعل فيه ما لم يقدره .
وإِلى نظير هذا المعنى يدل قوله تعالى : « وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » مريم ـ ٦٤ ، وقوله تعالى : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا » الجن ـ ٢٨ ، فإِن الآيات تبين إِحاطته تعالى بالملائكة والانبياء لئلا يقع منهم ما لم يرده ، ولا يتنزلوا إِلا بأمره ، ولا يبلغوا إِلا ما يشائه . وعلى ما بيناه فالمراد بما بين أيديهم : ما هو حاضر مشهود معهم ، وبما خلفهم : ما هو غائب عنهم بعيد منهم كالمستقبل من حالهم ، ويؤل المعنى إِلى الشهادة والغيب .
وبالجملة قوله : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، كناية عن إحاطته تعالى بما هو حاضر معهم موجود عندهم وبما هو غائب عنهم آت خلفهم ، ولذلك عقبه بقوله تعالى : ولا يحيطون بشيء من علمه إِلا بما شاء ، تبييناً لتمام الاحاطة الربوبية والسلطة الإلهية أي إِنه تعالى عالم محيط بهم وبعلمهم وهم لا يحيطون بشيء من علمه إِلا بما شاء .
ولا ينافي إِرجاع ضمير الجمع المذكر
العاقل وهو قوله « هم » في المواضع الثلاث إِلى الشفعاء ما قدمناه من ان الشفاعة أعم من السببية التكوينية والتشريعية ، وأن الشفعاء
هم مطلق العلل والاسباب ، وذلك لأن الشفاعة والوساطة والتسبيح والتحميد لما كان المعهود من حالها انها من أعمال أرباب الشعور والعقل شاع التعبير عنها بما يخص أُولي
العقل من العبارة . وعلى ذلك جرى ديدن القرآن في بياناته كقوله تعالى : « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ » الاسراء ـ ٤٤ ، وقوله
تعالى : « ثُمَّ