من رسله ، وهم في ذلك حافظون لحكم موقفهم الذي أحاطت به ذلة العبودية وعزة الربوبية ، فانهم مع إِجابتهم المطلقة لداعي الحق اعترفوا بعجزهم عن إِيفاء حق الاجابة .
لأن وجودهم مبني على الضعف والجهل فربما قصروا عن التحفظ بوظائف المراقبة بنسيان أو خطأ ، أو قصروا في القيام بواجب العبودية فخانتهم أنفسهم بارتكاب سيئة يوردهم مورد السخط والمؤاخذة كما اورد أهل الكتاب من قبلهم ، فالتجأوا الى جناب العزة ومنبع الرحمة ان لا يؤاخذهم إِن نسوا او أخطأوا ، ولا يحمل عليهم إِصراً ، ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به ، وأن يعفو عنهم ويغفر لهم وينصرهم على القوم الكافرين .
فهذا هو المقام الذي يعتمد عليه البيان في الآيتين الكريمتين ، وهو الموافق كما ترى للغرض المحصل من السورة ، لا ما ذكروه : أن الآيتين متعلقتا المضمون بقوله في الآية السابقة : إِن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الاية الدال على التكليف بما لا يطاق ، وأن الاية الاولى : آمن الرسول بما أُنزل اليه من ربه والمؤمنون الاية ، حكاية لقبول الاصحاب تكليف ما لا يطاق ، والاية الثانية ناسخة لذلك ! .
وما ذكرناه هو المناسب لما ذكروه في سبب النزول : أن البقرة أول سورة نزلت بالمدينة فان هجرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الى المدينة واستقراره فيها لما قارن الاستقبال التام من مؤمني الانصار للدين الالهي وقيامهم لنصرة رسول الله بالاموال والأنفس ، وترك المؤمنين من المهاجرين الاهلين والبنين والاموال والاوطان في جنب الله ولحوقهم برسوله كان هو الموقع الذي يناسب أن يقع فيه حمد من الله سبحانه لإجابتهم دعوة نبيه بالسمع والقبول ، وشكر منه لهم ، ويدل عليه بعض الدلالة آخر الاية : أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين فان الجملة يؤمي إِلى ان سؤالهم هذا كان في اوائل ظهور الاسلام .
وفي الآية من الاجمال والتفصيل ، والايجاز ثم الإطناب ، وأدب العبودية وجمع مجامع الكمال والسعادة عجائب .
قوله
تعالى : آمن الرسول بما أُنزل اليه من ربه
والمؤمنون ، تصديق لايمان الرسول والمؤمنين ، وإِنما أفرد رسول الله عنهم بالايمان بما أُنزل اليه من ربه ثم
ألحقهم به تشريفاً له ، وهذا دأب القرآن في الموارد التي تناسب التشريف أن يكرم النبي بإِفراده وتقديم ذكره ثم اتباع ذلك بذكر المؤمنين كقوله تعالى : « فَأَنزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ