( بحث روائي )
في الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : سأل الناس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الاهلة فنزلت هذه الآية « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ » يعلمون بها أجل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم .
أقول : وروى هذا المعنى فيه بطرق أُخر عن ابي العالية وقتادة وغيرهما ، وروي أيضاً أن بعضهم سأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن حالات القمر المختلفة فنزلت الآية . وهذا هو الذي ذكرنا آنفاً انه مخالف لظاهر الآية فلا عبرة به .
وفي الدر المنثور أيضاً : أخرج وكيع ، والبخاري ، وابن جرير عن البراء : كانوا إِذا أحرموا في الجاهلية دخلوا البيت من ظهره فأنزل الله : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها .
وفي الدر المنثور أيضاً اخرج ابن ابي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال : كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الابواب في الاحرام وكانت الانصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الاحرام فبينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بستان اذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الانصاري فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإِنه خرج معك من الباب فقال له : ما حملك على ما فعلت قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال : إِني رجل أحمس قال : فإن ديني دينك فأنزل الله ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها .
اقول : وقد روي قريباً من هذا المعنى بطرق أُخرى ، والحمس جمع أحمس كحمر وأحمر من الحماسة وهي الشدة سميت به قريش لشدتهم في أمر دينهم أو لصلابتهم وشدة بأسهم .
وظاهر الرواية ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغير قريش ولذا عاتبه بقوله : ما حملك على ما صنعت « الخ » ، وعلى هذا فتكون الآية من الآيات الناسخة ، وهي تنسخ حكماً مشرعاً من غير آية هذا ، ولكنك قد عرفت ان الآية تنافيه حيث تقول : ليس البر بأن تأتوا ، وحاشا الله سبحانه