عن هذا الاصل بنشره بين الناس وحفظه من الهلاك والفساد حق مشروع للإنسانية يجب استيفائه بأي وسيلة ممكنة ، وقد روعي في ذلك طريق الاعتدال ، فبدأ بالدعوة المجردة والصبر على الاذى في جنب الله ، ثم الدفاع عن بيضة الاسلام ونفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم ، ثم القتال الابتدائي الذي هو دفاع عن حق الانسانية وكلمة التوحيد ولم يبدأ بشيء من القتال الا بعد إِتمام الحجة بالدعوة الحسنة كما جرت عليه السنة النبوية ، قال تعالى : « ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » النحل ـ ١٢٥ ، والآية مطلقة ، وقال تعالى : « لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ » الانفال ـ ٤٢ .
وأما ما ذكروه من استلزامه الاكراه عند الغلبة فلا ضير فيه بعد توقف إِحياء الانسانية على تحميل الحق المشروع على عدة من الافراد بعد البيان واقامة الحجة البالغة عليهم ، وهذه طريقة دائرة بين الملل والدول فان المتمرد المتخلف عن القوانين المدنية يدعى الى تبعيتها ثم يحمل عليه بأي وسيلة أمكنت ولو انجر الى القتال حتى يطيع وينقاد طوعاً أو كرهاً .
على ان الكره انما يعيش ويدوم في طبقة واحدة من النسل ، ثم التعليم والتربية الدينيان يصلحان الطبقات الآتية بإِنشائها على الدين الفطري وكلمة التوحيد طوعاً .
وأما ما ذكروه : ان سائر الانبياء جروا على مجرد الدعوة والهداية فقط فالتاريخ الموجود من حياتهم يدل على عدم اتساع نطاقهم بحيث يجوز لهم القيام بالقتال كنوح وهود وصالح عليهم السلام فقد كان أحاط بهم القهر والسلطنة من كل جانب ، وكذلك كان عيسى عليهالسلام أيام إِقامته بين الناس واشتغاله بالدعوة وإِنما انتشرت دعوته وقبلت حجته في زمان طرو النسخ على شريعته وكان ذلك أيام طلوع الاسلام .
على أن جمعاً من الانبياء قاتلوا في
سبيل الله تعالى كما تقصه التوراة ، والقرآن يذكر طرفاً منه ، قال تعالى : « وَكَأَيِّن
مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » آل عمران ـ ١٤٧ ،
وقال تعالى ـ يقص دعوة موسى قومه إِلى قتال العمالقة ـ :