بيد أن الصادق عليهالسلام لو تقدم لها لم يسبقه إليها أحد ، لفضله وكثرة شيعته ، ولكنه كان يدافع من يستحثّه ، ولا يجيب من يستنهضه.
ولمّا لم يجدوا عنده أملا للنهوض عدلوا عنه إلى غيره ، فتارة يبايعون محمّدا وفي طليعتهم أبوه وأخوه وينو الحسن وبنو العبّاس ، وأخرى يدعو أبو مسلم في خراسان للعبّاسيّين وأبو سلمة الخلاّل بالكوفة للرضا من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وطورا يثب ابن جعفر في كوفان فلا يتمّ له أمر ، وتارة يظهر في فارس فلا يستقيم له شأن ، فيهرب إلى أبي مسلم في خراسان ، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار ، لأنّ حتفه كان على يديه ، ولم تمض برهة طويلة على تلك الأعاصير الهائجة ، والأجواء المضطربة ، حتى استقرّ الأمر في بني العبّاس.
تلك الأقدار هي التي طوحت بالأمر حتى جعلته في أحضان السفّاح والمنصور ، وإلاّ فمن الذي كان يحتسب أن الأخوين اللذين كانا يتنقّلان فى الأحياء يرويان للناس فضائل أبي الحسن ذريعة للاستعطاف والاستجداء واللذين بايعا ابن الحسن يوم اجتماعهم بالأبواء من دون تلكّؤ وأمل بالملك واللذين كانا تحت راية ابن جعفر وفي جنده يوم ظهر في فارس ينيلهما من وفره ، هما اللذين يتواليان على دسّت الحكم ، ويكونان السالبين لعروش أميّة ، ومن الذي كان يخال أن ابن جعفر فارس الوثبة يكون قتيل داعيتهما أبي مسلم ، وما هما إلاّ بعض جنده ، ومن الذي كان يظنّ أن ابن الحسن الذي أمّل نفسه وأمّلته الناس بالخلافة وبايعته على الموت يصبح وأخوه إبراهيم صريعين بسيف المنصور.
شاءت الأقدار ـ ومن يغلب القدر ـ أن يثب على كرسيّ الحكم بنو العبّاس ، وتصبح الدولة الامويّة أثرا بعد عين ، وخبرا بعد حسّ ، فلا أسف على من فات ، ولا فرح بالآت ، تذهب أمة فاجرة وتأتي دولة جائرة.