توقّف الزمن مبتهجاً ، وأُضيئت المشاعل في شتىٰ أرجاء البلد الحرام مكّة ، وحفلت دار الندوة بوجوه قريش وساداتها ، وسمرت مسامر البلدة المقدسة تسترجع قصة الذبيح الأوّل حين مضىٰ به أبوه (إبراهيم الخليل عليهالسلام) إلى الجبل كَي يذبحه طاعةً وتعبّداً ، فافتداه الله بكبش عظيم بعد أن كاد الموت قاب قوسين أو أدنىٰ ! إنّها القصّة التي تناقلها الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل ، تعود فتمثّل علىٰ المسرح نفسه ، وفي البيت العتيق الذي رفع إبراهيم قواعده وإسماعيل الذبيح المفتدىٰ الأوّل ، ولكن المفتدىٰ هذه المرّة هو حفيد أصيل من ذرّية إسماعيل عليهالسلام. لقد هزّت قصة الفداء قلوب كل المكيّين تعلّقاً بالشاب الوسيم فتىٰ هاشم الذي مسّت الشفرة منحره الشريف ، لكن الله أنقذه بأغلىٰ فدية في ذلك الحين.
أجل استغرقت أفراح زواجه الميمون ثلاثة أيام بلياليها ، وكان عبد الله أثناءها يقيم مع عروسه الجميلة والميمونة السيدة (آمنة) فتاة قريش في دار أبيها ، وعلىٰ عادة القوم (١) ، حتىٰ إذا أشرق صباح اليوم الرابع سبقها إلىٰ داره كي يتهيّأ لاستقبال عروسه الملاك. أجل تلقّاها (عبد الله) علىٰ باب داره متلهّفاً مشتاقاً إليها ! وكان بيته رحباً مريحاً لهما ، وهنا ترك العريس (عبد الله) عروسه في مخدعها مع رفيقاتها من سيدات (آل زهرة) وخرج إلىٰ رحبة داره الواسعة حيث يستقبل ضيوفه الكرام الذين صحبوا عروسه المباركة في قدومها إلىٰ بيته ، ومضىٰ وَهْنٌ من الليل والقوم ساهرون يباركون العروسين ويدعون لهما ،
_____________
(١) عيون الأثر / ابن سيد الناس ١ : ٢٥.