لصريح الآية المباركة ( أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) (٢) فإنّ إبليس إنّما أبىٰ عن السجود بادعاء أنّه أشرف من آدم عليهالسلام.
فلو كان السجود لله تعالىٰ ، وكان آدم قبلةً محضةً لما كان في احتجاجه الذي سجّله لنا القرآن الكريم معنىٰ ، قال تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (٣) وهذه الآيات صريحة بإرادة السجود ، وليس المتبادر منه هو القبلة.
الرأي الثالث : إنّ السجود لشخص آدم عليهالسلام ، حيث كان بأمر الله تعالىٰ ، فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له لكونه بامره.
وبيان ذلك : أنّ السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع ، ولذلك قد خصه الله سبحانه بنفسه ، ولم يرخّص لعباده أن يسجدوا لغيره.
غير أنّ السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله تعالىٰ كان في الحقيقة عبادة له وتقربا إليه ؛ لأنّه امتثال لأمره ، وانقياد لحكمه ، وإن كان في الصورة تذللاً للمخلوق.
ومن أجل ذلك يصحّ عقاب المتمرّد علىٰ هذا الأمر ، ولا يُسمع اعتذاره بأنّه لا يتذلل للمخلوق، ولا يخضع لغير الخالق حتىٰ لو كان يأمره.
__________________
(٢) سورة الاسراء : ١٧ / ٦١.
(٣) سورة الاعراف : ٧ / ١١ ـ ١٣.