وبكلمة اخرى انّ تنجّز الحكم الأوّل ـ وهو طهارة الطعام ـ إنّما ثبت باعتبار انّه باستصحاب طهارة الماء حصل علم تعبّدي بطهارة الماء التي هي الموضوع للحكم الأوّل ، وأمّا بالنسبة إلى الحكم الثاني ـ وهو حلّيّة الأكل ـ فلا وجه لتنجّزه إذ لم يحصل يقين تعبّدي بموضوعه ، فإنّه باستصحاب طهارة الماء حصل يقين تعبّدي بطهارة الماء فقط ولم يحصل علم تعبّدي بطهارة الطعام ـ وإنّما تنجّزت طهارة الطعام لا أكثر ـ حتى يتنجّز الحكم بحلّيّة الأكل.
قلنا : إنّ المستفاد من دليل حلّيّة الأكل أنّ المدار في ثبوت حلّيّة الأكل إنّما هو على ثبوت الحكم بطهارة الطعام ، فمتى ما ثبت تشريع الحكم بطهارة الطعام عند غسله بالماء الطاهر ثبت بعد ذاك الحكم بالحلّيّة.
إذن ثبوت الحكم بالحلّيّة موقوف على ثبوت تشريع الحكم الأوّل وثبوت موضوعه ، وحيث انّ تشريع الحكم الاوّل ثابت بالسنّة الشريفة ـ لدلالة الروايات على أنّ غسل الطعام بل وأي شيء من الأشياء بالماء الطاهر موجب لطهارته ـ وموضوعه ثابت أيضا ببركة الاستصحاب ـ حيث انّ استصحاب طهارة الماء ينجّز طهارة الطعام على ما تقدّم (١) ـ فتثبت حينئذ حلّيّة الأكل.
وإن شئت قلت : إنّا نسلّم أنّ الحكم بحلّيّة الطعام لا يتنجّز إلاّ بعد اليقين بموضوعه ولكن ليس المراد من اليقين بموضوعه إلاّ ما ذكرناه ، أي ثبوت تشريع الحكم الأوّل وتنجز موضوعه ، وكلاهما ثابت كما أوضحنا.
__________________
(١) في عبارة الكتاب ذكر ما مضمونه : إنّ طهارة الطعام محرزة. ولا بدّ وأن يكون المراد من الإحراز التنجز ، إذ باستصحاب طهارة الماء يحصل يقين تعبدي بطهارة الماء ولا يحصل يقين تعبدي بطهارة الطعام بل تتنجز طهارة الطعام لا أكثر