جرى واثبت حرمة الزبيب حرمة فعلية بعد غليانه صار المكلّف عالما تعبدا بحرمة الزبيب وانّه ليس بحلال بالفعل ، وبصيرورة المكلّف عالما بإنتفاء الحلية الفعلية لا يبقى شكّ ليجري الاستصحاب التنجيزي لإثبات بقائها. وهذا هو معنى الحكومة فإنّ الدليل الحاكم هو الدليل الذي ينفي (١) عند جريانه موضوع الدليل الآخر نفيا تعبديا.
إن قلت : لماذا لا نجري الاستصحاب التنجيزي أوّلا ليكون هو الحاكم والرافع لموضوع الاستصحاب التعليقي.
قلت : إنّ الاستصحاب التنجيزي لا يرفع موضوع الاستصحاب التعليقي إذ الاستصحاب التنجيزي يثبت بقاء الحلية الفعلية للزبيب بعد غليانه ، ومن الواضح انّه لا توجد آية أو رواية تقول إذا كانت الحلية الفعلية باقية فالحرمة المعلّقة منتفية ، وإنّما ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية والأصل المثبت.
وإن شئت قلت : إنّا قرأنا في الحلقة الثانية ص ٤٤١ انّه إذا كان لدينا أصلان وكان أحدهما ينفي موضوع الأصل الآخر دون العكس فالأصل الذي ينفي موضوع الأصل الآخر يسمى بالأصل الحاكم ويكون هو المقدم. ومن أمثلة ذلك : ما إذا لدينا ثوب متنجس وكان لدينا أيضا ماء نعلم بطهارته سابقا ونشكّ في طهارته الآن فإذا غسلنا الثوب به حصل لنا الشكّ في بقاء نجاسته. وفي هذه الحالة يوجد استصحابان متعارضان أحدهما استصحاب بقاء الماء على الطهارة وثانيهما : استصحاب بقاء الثوب على النجاسة ، واستصحاب طهارة الماء هو
__________________
(١) وعلى حدّ تعبير الكتاب : يعالج مورد الأصل الآخر ، فإنّ المقصود من معالجة مورد الأصل الآخر نفي موضوع الأصل الآخر