شروطهم ». وهذا الشرط ـ عدم الغبن ـ كان موجودا ضمن العقد لبناء العقلاء واتّفاقهم وسيرتهم على ذلك ، وعليه فيجب الوفاء به ، ومقتضاه جواز فسخ المعاملة للطرف الآخر ، فكانت هذه السيرة محقّقة لشرط من الشروط في المعاملة وهو عدم الغبن فيطبّق عليها الحكم الشرعي المفروغ عن ثبوته وهو وجوب الوفاء بالشرط.
وكلّ سيرة من هذا القبيل لا يشترط في تأثيرها على هذا النحو أن تكون معاصرة للمعصومين عليهمالسلام ؛ لأنّها متى ما وجدت أوجدت صغرى لدليل شرعي ثابت ، فيتمسّك بإطلاق ذلك الدليل لتطبيق الحكم على صغراه.
ومن هنا نعرف أنّ كلّ سيرة من هذا القبيل لا يشترط فيها أن تكون معاصرة للمعصوم عليهالسلام ؛ وذلك لأنّها لا تثبت الحكم الشرعي الكلّي ليقال باحتياجها إلى الإمضاء المستكشف من السكوت ، وإنّما هذه السيرة تثبت لنا مصداقا وتطبيقا من تطبيقات الحكم الشرعي وتفترض أنّ هذا موضوع ومصداق لذاك الحكم ، إمّا حقيقة وإمّا ادّعاء واعتبارا.
وهذا معناه أنّها تشخّص موضوع الحكم أو مصداقه أو فرد من أفراد الموضوع ، وهذا لا مدخليّة للشارع به ليسكت أو يردع عنه ؛ إذ الشارع لا يتدخّل في تحقيق وتشخيص المواضيع إلا إذا كانت هذه المواضيع من اختراع الشارع ، وأمّا إذا كانت موضوعات أحكامه واضحة ومفهومة عرفا فمصداقها يكون بيد العقلاء ، فمتى ما وجدت السيرة بهذا النحو كان معناها أنّها توجد الصغرى للدليل الشرعي بتطبيق الكبرى عليها ، وينتج من ذلك ترتيب آثار الحكم الشرعي على هذا الموضوع والمصداق. ومن هنا كان دليل خيار الغبن ثابتا باشتراطه الضمني المستكشف من جريان السيرة العقلائيّة عليه.
وبهذا نفرّق بين هذه السيرة وبين السيرة السابقة التي كنّا نتحدّث عنها ، فإنّها كانت تثبت الحكم الشرعي الكلّي من خلال سكوت المعصوم وعدم ردعه ، ولذلك احتاجت لمعاصرة المعصوم ليتحقّق سكوته ويحرز إمضاؤه.
وهناك فوارق أخرى بين السيرتين ، فإنّ السيرة التي يستكشف بها دليل شرعي على حكم كلّي تكون نتيجتها ملزمة حتّى لمن شذّ عن السيرة ، فلو فرض أنّ شخصا لم يكن يرى ـ بما هو عاقل ـ أنّ طيب نفس المالك كاف في جواز