التصرّف في ماله وشذّ في ذلك عن عموم الناس ، كانت النتيجة الشرعيّة المستكشفة بسيرة عموم الناس ملزمة له ؛ لأنّها حكم شرعي كلّي.
ومن جملة الفوارق بين السيرتين :
إنّ السيرة التي يستكشف بها حكم شرعي كلّي كالتملّك بالحيازة وجواز التصرّف بملك الغير بمجرّد رضاه القلبي وحجيّة خبر الثقة وقول اللغوي ، إذا ثبت بالإمضاء المستكشف من السكوت وعدم الردع ، كانت هذه السيرة مثبتة للحكم الشرعي الكلّي ، ومن المعلوم أنّ الأحكام الشرعيّة الكليّة عامّة لكلّ الناس في مختلف العصور والأزمنة إلى يوم القيامة.
وهذا معناه أنّه لو شذّ بعض الأشخاص عن هذه السيرة ولم يعتبروا أنّ الحيازة سبب للملكيّة ، أو أنّ خبر الثقة ليس حجّة لم يكن رأيهم صحيحا ، بل كان مخالفا للحكم الشرعي ؛ لأنّ هذه السيرة قد ثبت بها الحكم الشرعي فلا يحقّ لأحد من الناس أن يشذّ عنه ويخالفهم بحجّة أنّه لم يدرك هذا الأمر ، أو أنّه لم يكن من أبناء السيرة التي انعقدت على هذا الأمر ، أو أنّه لم يساهم في الاتّفاق والبناء ، إذ مثل هذه الدعوى لا تسمع ويكون ملزما بالجري وفقا لما ثبت بالسيرة ، وهذا معناه أنّ هذه السيرة ملزمة لكلّ الناس ؛ لأنّها تثبت حكما شرعيّا كلّيّا والأحكام الشرعيّة الكلّيّة شاملة لكلّ المكلّفين كالصلاة والصيام.
وأمّا السيرة التي تحقّق صغرى لمفاد دليل شرعي فلا تكون نتيجتها ملزمة لمن شذّ عنها ؛ لأنّ شذوذه عنها معناه أنّ الصغرى لم تتحقّق بالنسبة إليه فلا يجري عليه الحكم الشرعي.
ففي المثال المتقدّم لخيار الغبن إذا شذّ متعاملان عن عرف الناس وبنيا على القبول بالمعاملة والالتزام بها ولو كانت غبنيّة لم يثبت لأي واحد منهما خيار الغبن ؛ لأنّ هذا يعني عدم الاشتراط الضمني ومع عدم الاشتراط لا يشملهما دليل « المؤمنون عند شروطهم » مثلا.
وأمّا في السيرة التي يستكشف منها صغرى لحكم شرعي ، أي يعرف بها المصداق والموضوع للحكم الشرعي الكلّي ، فهذه السيرة ليست ملزمة لكلّ الناس حتّى الذين لا يرون ولا يبنون على هذا الأمر ، بل كانوا يبنون على خلافه ؛ وذلك لأنّه في فرض