وبهذا يتّضح أنّ العقل يحكم بمدركاته العمليّة أنّ ما ينبغي للشارع فعله هو هذا الأمر وغير ذلك يقبح صدوره منه تعالى عن ذلك ، ولذلك كانت قاعدة اللطف عقليّة ؛ لأنّها من مدركات العقل العملي الحاكم بما ينبغي أن يكون.
وأخرى : على أساس قيام دليل شرعي على حجّيّة الإجماع ولزوم التعبّد بمفاده ، كما قام على حجّيّة خبر الثقة والتعبّد بمفاده.
الثاني : أن يستدلّ على حجّيّة الإجماع من خلال وجود دليل شرعي على حجّيّته ، فيكون الإجماع حجّة تعبّدا ، كما هو كذلك بالنسبة لخبر الثقة حيث قام الدليل الشرعي من آيات وروايات على حجّيّته ، فيؤخذ بالإجماع من باب كونه كاشفا تعبّديّا على الحكم الشرعي لا من باب كونه كاشفا وجدانيّا ، غاية الأمر كون الإجماع أحسن حالا من خبر الثقة ؛ لأنّه عبارة عن خبر عالي السند لوجود المعصوم بين المجمعين.
وثالثة : على أساس إخبار المعصوم وشهادته بأنّ الإجماع لا يخالف الواقع ، كما في الحديث المدّعى : « لا تجتمع أمّتي على خطأ » (١).
الثالث : أن يستدلّ على الإجماع بأنّ المعصوم قد شهد وأخبر بأنّ الإجماع لا يخالف الواقع ، فإذا كان هناك إجماع فهو مطابق للواقع ، وهذا دليل إنّي أي يستكشف من الإجماع وجود حكم شرعي واقعي مطابق له.
وهذا المسلك سلكه العامّة حيث ادّعوا أنّ النبيّ قد شهد بصحّة الإجماع ومطابقته للواقع بقوله : « لا تجتمع أمتي على ضلالة ». وهي أعمّ من الإثم والخطأ والمعصية والانحراف.
لكنّهم فسّروا الضلالة بخصوص الخطأ ، ولذلك نقل السيّد الشهيد الحديث هنا بالمعنى وفقا لتفسيراتهم ، فيكون الإجماع حجّة ؛ لأنّه يكشف عن الحكم الشرعي عن طريق إخبار المعصوم بأنّ الإجماع مطابق للواقع دائما.
__________________
(١) لم نعثر عليه بهذا اللفظ سوى ما ذكره السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٨ ، إلا أنّ الموجود في مظانّه لا تجتمع أمّتي على ضلالة. انظر : سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٣ الحديث ٣٩٥٠ ، كنوز الحقائق ٢ : ٢٨٧ الحديث ٨٨٥٤ ، كشف الخفاء ٢ : ٤٧٠ الحديث ٢٩٩٩.