معناه أنّه يستحيل الانفكاك عقلا ، بل قد ينفك لكنّه لم يقع خارجا ، أي أنّ المستحيل هو الإمكان الوقوعي لا الإمكان الذاتي المقابل للوجوب أو الامتناع العقليّين.
ومن جهة أخرى : أنّ الملازمة العقلية بين شيئين معناها أنّه إذا وجد الملزوم وجد اللازم ويستحيل انفكاكه عنه كالعلة والمعلول والنار والحرارة ، فالملازمة معناها استحالة الانفكاك ، وهذه القضيّة لا تعني استحالة الانفكاك بل إنّ الانفكاك لم يقع ، أمّا أنّه مستحيل أو لا ، فهذا غير معلوم.
فما نعلم به غير الملازمة لأنّ الملازمة معناها الاستحالة وما نعلم به هو عدم الانفكاك. وهذا العلم بعدم الانفكاك وأنّه لم يقع في الخارج ليس ناشئا من دليل عقلي على امتناع واستحالة الانفكاك ، بل هو ناشئ على أساس حساب الاحتمالات وتجمع القيم الاحتماليّة التي تزداد وتكبر لصالح الصدق وتتضاءل وتصغر لصالح الكذب ، إلى أن يزول احتمال الخلاف والكذب كما تقدّم ، فزوال احتمال الكذب والمخالفة للواقع كان على أساس حساب الاحتمالات المعتمد على المضعف الكمي والكيفي معا ولم يكن الزوال نتيجة برهان عقلي على استحالة الكذب ومخالفة الواقع ، ولذلك قلنا بأنّه ( إذا ثبت تواتر القضيّة ثبت صدقها ) فإنّ العلم بثبوت صدقها ناشئ من حساب الاحتمالات لا من دليل عقلي على استحالة الكذب ؛ ولذلك لا يحكم العقل باستحالة الكذب والمخالفة للواقع ، بل ذلك أمر ممكن لكنّه لم يقع في الخارج ، وهذان أمران متغايران فإنّ الاستحالة شيء وعدم الوقوع شيء آخر كما هو واضح.
فالصحيح ربط كشف الإجماع بنفس التراكم المذكور ، وفقا لحساب الاحتمال ، كما هو الحال في التواتر ، على فوارق بين مفردات الإجماع بوصفها أخبارا حدسية ومفردات التواتر بوصفها أخبارا حسية ، وقد تقدّم البحث عن هذه الفوارق في الحلقة السابقة.
وبهذا يتّضح أنّ الإجماع كالتواتر يعتمد على حساب الاحتمالات وتراكم القيم الاحتماليّة للصدق وتضاؤل القيم الاحتماليّة للكذب.
فالإجماع يكشف عن وجود الدليل الشرعي على الحكم المجمع عليه على أساس حساب الاحتمالات كما سيأتي توضيحه.