غاية الأمر أنّه يوجد فرق بين مفردات التواتر ومفردات الإجماع ، وهذا يؤثّر على القيم الاحتماليّة ، فإنّ التواتر كانت مفرداته عبارة عن أخبار حسية تعتمد على المشاهدة أو السماع ونحوهما ، بينما مفردات الإجماع تعتمد على إفتاء كل مجتهد من المجتهدين بحكم مطابق لما أفتى به المجتهد الآخر ، فهو يخبرنا بالفتوى ومن خلالها نستنتج وجود الدليل الشرعي أي أنّه إخبار حدسي استنتاجي بوجود الدليل الشرعي بينما التواتر كان إخبارا حسيا مباشرا عن الدليل الشرعي.
وهذا الفارق يؤثّر على القيمة الاحتماليّة للصدق سلبا أو إيجابا ؛ لأنّ احتمال الكذب والخطأ والاشتباه في الحدس والاستنتاج أكبر منه في الحس والمشاهدة والسماع ولذلك تكون قيمة احتمال الكذب أكبر من الصدق في كل مفردة من مفردات الإجماع على عكس التواتر.
مضافا إلى فوارق أخرى تقدّم الحديث عنها في الحلقة الثانية ، فليراجع.
وتقوم الفكرة في تفسير كشف الإجماع بحساب الاحتمال على أنّ الفقيه لا يفتي بدون اعتقاد للدليل الشرعي عادة ، فإذا أفتى فهذا يعني اعتقاده للدليل الشرعي ، وهذا الاعتقاد يحتمل فيه الإصابة والخطأ معا ، وبقدر احتمال الإصابة يتشكل قرينة احتمالية لصالح إثبات الدليل الشرعي ، وبتراكم الفتاوى تتجمع القرائن الاحتماليّة لإثبات الدليل الشرعي بدرجة كبيرة ، تتحول بالتالي إلى يقين لتضاؤل احتمال الخلاف.
وأمّا كيفيّة كشف الإجماع عن الدليل الشرعي فتقوم على أساس حساب الاحتمالات حيث إنّ الفقيه إذا أفتى بقضية فهو يعتمد على دليل لذلك ؛ لأنّ الفقيه من جملة المتشرّعة المتديّنين الذين لا يفتون إلا بعلم فهو يعتقد بوجود دليل شرعي على فتواه وإلا لما أفتى بها ، لأنّ الإفتاء بلا علم من المحرمات الواضحة لدى المتشرّعة بنص الكتاب ، وحيث إنّه من الممكن أن يكون مصيبا باعتقاده في وجود الدليل الشرعي ، فإنّه يحتمل أن يكون مخطئا أيضا بأن يكون استند إلى ما ليس بحجّة شرعا باعتقاد أنّه حجّة شرعا ، ولذلك فإنّ فتواه هذه قد تكشف عن الدليل الشرعي وقد لا تكشف ، فهي بذاتها يحتمل فيه الإصابة وعدمها ، ولكن إذا ضمّ إلى فتواه فتوى المجتهد الآخر فسوف تتشكّل قرينة احتماليّة على الإصابة أكبر بالنحو المتقدّم في