يراد اكتشافهما عن طريق إجماع الفقهاء المتقدمين ، والوجه في هذا الشرط واضح بعد أن عرفنا كيفيّة تسلسل الاكتشاف ودور الوسيط المشار إليه فيه.
الثالث : ألا تكون هناك قرائن عكسية تدلّ على أنّه في عصر الرواة والأصحاب والمتشرّعة الذين عاصروا الأئمّة عليهمالسلام لم يكن هذا الارتكاز والوضوح والجو العام المراد اكتشافه بالإجماع موجودا ؛ لأنّه إذا كان هناك مثل هذه القرائن فلا يكون الإجماع حينئذ كاشفا عن وجود الارتكاز والوضوح والجو العام ، إذ المفروض وجود ارتكاز معاكس له فلا يكون حجّة ؛ لأنّ حجيّة الإجماع كانت مرتبطة بمدى كشفه عن ذاك الوسيط على أساس حساب الاحتمالات.
فإذا كان الارتكاز المراد اكتشافه يعلم بعدم وجوده أو كان هناك ارتكاز آخر معارض له ، كان معنى ذلك أنّ الإجماع لم يكشف عن الارتكاز الموجود في عصر الأئمّة عليهمالسلام ، بل كشف عن ارتكاز آخر لم يكن موجودا في عصرهم فلا يكون دالا على الدليل الشرعي حينئذ لعدم كشفه عن الارتكاز في عصر الأئمّة عليهمالسلام.
ومثال ذلك : نجاسة الكتابي وطهارته ، فإنّ مجموع الأسئلة التي طرحت على الأئمّة عليهمالسلام كانت مقيّدة بقيود كثيرة كشربه للخمر أو أكله للحم الخنزير ونحو ذلك ، وهذا معناه أنّ نجاسة الكتابي لم تكن مرتكزة وواضحة عندهم وإلا لما سألوا بهذا النحو من الأسئلة فإذا انعقد إجماع على نجاسة الكتابي لم يكن هذا الإجماع كاشفا عن الوسيط والارتكاز ، أو على الأقلّ يشك في كاشفيّته عنه ولذلك لا يكون حجّة ، لأنّه توجد قرائن معاكسة لهذا الارتكاز الذي يراد اكتشافه بالإجماع.
الرابع : أن تكون المسألة من المسائل التي لا مجال لتلقي حكمها عادة إلا من قبل الشارع ، وأمّا إذا كان بالإمكان تلقيه من قاعدة عقلية مثلا ، أو كانت مسألة تفريعية قد يستفاد حكمها من عموم دليل أو إطلاق فلا يتمّ الاكتشاف المذكور.
الرابع : أن تكون المسألة التي انعقد الإجماع عليها من المسائل التي لا مجال لصدور الحكم فيها إلا من قبل الشارع ، فيكون حينئذ الإجماع كاشفا عن الارتكاز ، وهو بدوره يكشف عن الدليل الشرعي على هذا الحكم المجمع عليه.