باختصاص العمل وقبول أخبارهم فيما إذا أفاد العلم فقط ، بل كان فيهم الثقة الجليل وكان فيهم دون ذلك بدرجات.
يبقى إثبات أنّ سيرة المتشرّعة كانت قائمة بالفعل على العمل بأخبار الثقات ، وهذا يمكن إثباته بإحدى الطرق التي تقدمت في إثبات السيرة في الحلقة الثانية ، والتي أهمّها أنّه لو لم يكن العمل بخبر الثقة ثابتا بين المتشرّعة مع احتياجهم لطريق معرفة أحكامهم لكان المفروض وجود طريق آخر هو المعتمد في ذلك ، وحيث إنّ المسألة محل ابتلاء فلا بدّ أن يستعلم عنها وبالتالي يكثر السؤال والجواب ، وكما هو المعتاد لا بدّ أن يصلنا شيء عن هذا الطريق الآخر البديل مع توفر الدواعي لنقله حيث إنّ الرواة رووا ما لا حاجة للناس به وما ليس موردا للابتلاء نوعا ، وحيث إنّه لا وجود لهذا الطريق الآخر البديل لزم كون العمل بخبر الثقات كان هو المتبع والمعتمد عند الأئمّة خصوصا مع وجود الروايات المتقدّمة التي بعضها يدلّ على العمل به صريحا أو التزاما ، وهذا المقدار يكفي للقول بأنّ عمل أصحاب الأئمّة بخبر الواحد كان مستفادا من المعصومين أنفسهم عليهمالسلام ، وهذا بدوره يكشف عن طريق الإن على وجود السنّة الشريفة ؛ لأنّ عمل الأصحاب معلول دائما للدليل الشرعي ، وذلك بوصفهم متدينين ومتشرعين لا يعملون إلا وفق الموازين الشرعيّة ، فيكون عملهم هذا بنفسه كاشفا عن السنّة كشف المعلول عن علته ، ولا يحتاج إلى إثبات رضا الإمام بذلك عن طريق السكوت وعدم الردع.
نعم ، يحتاج إلى ذلك فيما إذا كان المتشرّعة يعملون بخبر الثقة على أساس طبيعتهم وسليقتهم العرفية العقلائيّة لا بوصفهم متشرّعة ، فهنا نحتاج إلى ضمّ سكوت الإمام وعدم ردعه عن عملهم وبنائهم ليكون كاشفا عن الإمضاء والقبول ، وهذا الأمر يمكن إثباته أيضا بأحد الطرق المتقدّمة ؛ لأنّ عملهم هذا إذا لم يكن مورد القبول من الأئمّة لكان من اللازم الردع عنهم ونهيهم عن ذلك ، لأنّ بناءهم هذا يؤثّر على الأحكام الشرعيّة ، إما بنحو مباشر أو غير مباشر ، وبالتالي لا بدّ من وجود ما يدلّ على هذا النهي ، كما هو الحال بالنسبة للقياس وغيره ، وحيث إنّه لم يصلنا شيء يدلّ على النهي عن العمل بخبر الواحد بل الواصل عكس ذلك ثبت أنّ خبر الواحد والعمل به صحيح وجائز شرعا ، وهو المطلوب.