الثاني : الاستدلال بسيرة العقلاء على التعويل على أخبار الثقات ، وذلك أنّ شأن العقلاء ـ سواء في مجال أغراضهم الشخصيّة التكوينيّة أم في مجال الأغراض التشريعيّة وعلاقات الآمرين بالمأمورين ـ العمل بخبر الثقة والاعتماد عليه ، وهذا الشأن العام للعقلاء يوجب قريحة وعادة لو ترك العقلاء على سجيتهم لأعملوها في علاقاتهم مع الشارع ولعوّلوا على أخبار الثقات في تعيين أحكامه ، وفي حالة من هذا القبيل لو أنّ الشارع كان لا يقرّ حجيّة خبر الثقة لتعيّن عليه الردع عنها حفاظا على غرضه ، فعدم الردع حينئذ معناه التقرير ومؤداه الإمضاء.
التقريب الثاني : أن يستدلّ على استكشاف السنّة من خلال السيرة العقلائيّة ، وهذه السنّة مؤداها العمل بخبر الواحد وحجيّته.
وتقريب الاستدلال بالسيرة العقلائيّة أن يقال : إنّ العقلاء يعملون بخبر الواحد في مجال الأغراض التكوينيّة الشخصيّة بحيث إنّ كل عاقل يعتمد على خبر الواحد الثقة في تحصيل غرضه الشخصي التكويني كالرجوع إلى اللغوي مثلا لتحصيل الغرض الشخصي والاطلاع على معنى الكلمة ، أو الرجوع إلى الأطباء وغيرهم من ذوي الخبرات في الأمور التي يختصون بها وقبول إخباراتهم فيها لمجرّد الوثوق بهم ، هذا في الأغراض التكوينيّة.
ويمكن أيضا أن تكون السيرة العقلائيّة قائمة أيضا على الاعتماد على العمل بخبر الثقة في مجال أغراضهم التشريعيّة وذلك نظرا إلى علاقة الآمرين بالمأمورين ، والرؤساء بالمرءوسين ، حيث إنّهم يحتجّون بخبر الثقة إذا أخبر بأحكام المولى والرئيس ، فيما لو ادّعى المأمور بأنّ خبر الثقة ليس حجّة فلا يكون منجزا أو معذّرا ، فيرون أنّه يستحق المؤاخذة والعقوبة لتركه العمل بخبر الثقة لمجرّد ادعاء عدم الحجيّة له ، وهكذا أيضا يكون معذّرا للعبد فيما لو أمره بعدم التكليف فلم يمتثل فإنّه يصحّ أن يحتج به على مولاه.
وعلى كل حال سواء كانت السيرة العقلائيّة وبناء العقلاء قائمة على العمل بخبر الثقة في أغراضهم التشريعيّة أم على الأقلّ كانت قائمة على العمل به في الأغراض التكوينة ، فهي في كلا الحالين تشكّل إيحاء لدى العقلاء ـ ولو كان هذا الإيحاء خاطئا ـ بأنّ الشارع يرضى بالعمل بخبر الواحد الثقة بلحاظ أغراضه التشريعيّة بينه