موضوعهما واحد ومحمولهما متناف فيكون التعارض مستحكما ، وحينئذ يحكم بالتساقط ولا يصار إلى أحدهما ، إلا أنّ النتيجة العمليّة تكون إلى صالح المطلقات حيث إنّه يرجع إلى الأصول العمليّة عند الشك في الحجيّة لخبر الواحد ، والأصل عند الشك في الحجيّة عدمها ، كما تقدّم سابقا (١).
وثانيا : أنّ الحاكم إن كان هو نفس البناء العقلائي فهذا غير معقول ؛ لأنّ الحاكم يوسّع موضوع الحكم أو يضيّقه في الدليل المحكوم ، وذلك من شأن نفس جاعل الحكم المراد توسيعه أو تضييقه ، ولا معنى لأنّ يوسع العقلاء أو يضيقوا حكما مجعولا من قبل غيرهم.
وإن كان الحاكم الموسّع أو المضيّق هو الشارع بإمضائه للسيرة فهذا يعني أنّه لا بدّ لنا من العلم بالإمضاء لكي نحرز الحاكم ، والكلام في أنّه كيف يمكن إحراز الإمضاء مع وجود النواهي المذكورة الدالة على عدم الحجيّة؟!
ويرد عليه ثانيا : أنّ الدليل الحاكم كما تقدّم يوسع أو يضيق الدليل المحكوم وهذا يستلزم أن يكون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم ، وإحراز النظر إنّما يكون ثابتا فيما إذا كانت التوسعة والتضييق في الدليل المحكوم من شئون جاعل الدليل الحاكم.
وعلى هذا نقول : إنّ الدليل الحاكم الذي هو السيرة العقلائيّة ، إن كان المقصود به نفس البناء العقلائي القائم على العمل بخبر الواحد فهذا البناء لا يعقل أن يكون حاكما على مطلقات النهي وموسعا أو مضيقا لمفادها ؛ وذلك لأنّ مطلقات النهي مجعولة من الشارع حيث إنّها من الأحكام الشرعيّة التي بيد الشارع جعلها ورفعها ، بينما السيرة العقلائيّة بناء للعقلاء ، ولا يحق للعقلاء التدخل في أحكام غيرهم ؛ لأنّها ليست من شئونهم ، وجعلها ورفعها ليس بيدهم ، بل يحرم عليهم التدخل في أحكام الشارع لأنّهم مكلفون بالإطاعة والامتثال لها.
وهذا معناه أنّ سيرة العقلاء المذكورة لا يمكن أن تكون حاكمة على مطلقات النهي لأنّ الجاعل في الدليل الحاكم هو العقلاء ، بينما الجاعل في الدليل المحكوم هو الشارع ، فمع اختلاف الجاعل لا تكون هناك حكومة ، لأنّه لا يحرز النظر الذي هو
__________________
(١) مضافا إلى أنّ الحكومة إنّما تتصور بين الأدلّة اللفظيّة ، والسيرة هنا ليست دليلا لفظيّا وإنّما هي دليل لبّي فلا مورد للحكومة أصلا.