شرط الحكومة ، إذ من الواضح حينئذ أنّ مطلقات النهي لا يمكن للعقلاء أن يوسعوها أو يضيقوها لأنّ ذلك يعدّ تصرفا منهم في أحكام غيرهم من دون أن يكون لهم الحق في ذلك.
وأمّا إن كان المقصود من السيرة العقلائيّة الموسّعة أو المضيّقة هو الشارع حيث إنّ السيرة العقلائيّة بنفسها لا اعتبار لها شرعا ، وإنّما تكون معتبرة وحجّة فيما إذا سكت الشارع عنها ، فيكون سكوته وعدم ردعه إمضاء لها ، فيكون الحاكم في الحقيقة هو إمضاء الشارع للسيرة الكاشف عن قبوله وحجيّتها شرعا ، فهذا ممكن لأنّ الجاعل في الدليلين الحاكم والمحكوم صار واحدا وهو الشارع ، إلا أنّنا لا بدّ أن نحرز أنّ الشارع قد أمضى ولم يردع عن السيرة لتكون حجّة وبالتالي تكون حاكمة على مطلقات النهي.
وهذا الأمر كيف يمكن إحرازه في الفرض المذكور ، حيث إنّ مطلقات النهي تصلح أن تكون رادعة عن السيرة وبالتالي لا تكون حاكمة ؛ إذ مع الردع عنها لا تكون حجّة أصلا ، فكيف يمكننا إحراز إمضاء الشارع والحال هذه؟!
نعم ، لو فرض ثبوت الإمضاء في مرحلة سابقة لكانت السيرة حجّة شرعا ، وبالتالي تكون حاكمة على مطلقات ومخرجة منها أحد أفرادها ، وهو خبر الواحد إخراجا ادعائيا تعبديّا.
وأمّا قبل إحراز الإمضاء المذكور تبقى السيرة العقلائيّة مشكوكة من حيث جعل الحجيّة لها وعدم ذلك خصوصا مع وجود النواهي عن العمل بكل ظن وما ليس بعلم ، ومع الشك في الحجيّة يحكم بعدمها كما تقدّم مرارا ، وبالتالي لا تصلح لأنّ تكون دليلا على الحجيّة فضلا عن كونها حاكمة على غيرها.
والحاصل : أنّ النظر غير محرز على كلا الاحتمالين ، إما لاختلاف الجاعل بين الدليلين ، وإما لعدم الإمضاء الدال على الحجيّة.
الجواب الثاني : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) رحمهالله من أنّ الردع عن السيرة بتلك العمومات الناهية غير معقول ، لأنّه دور.
وبيانه : أنّ الردع بالعمومات عنها يتوقّف على حجيّة تلك العمومات في العموم ، وهذه الحجيّة تتوقّف على عدم وجود مخصّص لها ، وعدم وجود