فحيث إنّه لا يلتزم بذلك كان معناه أنّ العلم الإجمالي المذكور ليس منجّزا لوجوب العمل بأخبار الثقات بمجرّد العلم بصدور بعض أخبارهم ، إذ لو كان منجزا لها لكان العلم الإجمالي الذي ذكرناه منجّزا أيضا لجميع الأخبار بما فيهم الضعفاء ، لأنّه يعلم بمطابقة بعضها للواقع ، فإما أن يلتزم بذلك أو يرفع اليد عن أصل هذا الدليل ، إذ لا وجه للتفكيك بين هذين العلمين والقول بأنّ الأوّل منجّز وحجّة دون الثاني ، لأنّ أركان العلم الإجمالي موجودة فيهما على حدّ سواء ، وحيث إنّه لا يمكن الالتزام بالعلم الإجمالي الثاني دلّ هذا على أنّ الالتزام بالعلم الإجمالي الأوّل غير تام.
والجواب على هذا النقض ما ذكره صاحب ( الكفاية ) من انحلال أحد العلمين الإجماليين بالآخر وفقا لقاعدة انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير ـ المتقدّمة في الحلقة السابقة ـ إذ يوجد لدينا علمان إجماليّان :
الأوّل : العلم الذي أبرز من خلال هذا النقض وأطرافه كل الأخبار.
والثاني : العلم المستدل به وأطرافه أخبار الثقات ، ولانحلال علم إجمالي بعلم إجمالي ثان وفقا للقاعدة التي أشرنا إليها شرطان ـ كما تقدّم في محلّه ـ :
أحدهما : أن تكون أطراف الثاني بعض أطراف الأوّل.
والآخر : ألا يزيد المعلوم بالأوّل عن المعلوم بالثاني.
وأجاب صاحب ( الكفاية ) على هذا النقض بأنّ العلم الإجمالي المذكور منحلّ بالعلم الإجمالي السابق تطبيقا لقاعدة انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير.
أمّا كون العلم الإجمالي المذكور في النقض كبيرا فلأنه يشمل أخبار الثقات والضعاف وغيرهم.
وأمّا كون العلم الإجمالي المذكور في الاستدلال صغيرا فلأنّه مختص بأخبار الثقات الموجودة في الكتب الواصلة إلينا.
ومن الواضح أنّ دائرة أخبار الثقات أخص وأصغر من دائرة أخبار الثقات والضعاف وغيرهم.
وأمّا وجه انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير فهذا يتوقّف على وجود شرطين هما :