الجواب عن هذا الدليل : أولا : المنع من المقدّمة الثانية التي هي عمدة الاستدلال بهذا الدليل.
وتوضيح ذلك : أنّه ادعي في المقدّمة الثانية أنّ باب العلم الوجداني منسدّ ، فهذا وإن سلّم به لقلة موارد القطع والعلم التكويني في كثير من الفروع والتفصيلات ، إلا أنّ باب العلم التعبّدي مفتوح ، بمعنى أنّ الشارع قد جعل بعض الطرق والأمارات الكاشفة كشفا ظنيا عن الواقع حجّة شرعا وأنّه يجوز التعويل عليها لاكتشاف أحكام الشارع ، كما هو الحال بالنسبة للظهورات ولخبر الثقة اللذين هما أهم الطرق والأمارات الظنية وعليهما العمدة في اكتشاف مراد الشارع وأحكامه وتكاليفه.
وعلى هذا فلا يتمّ هذا الدليل لأنّه متوقّف على تماميّة هذه المقدّمة التي لا مجال للتسليم بها أبدا ، فإنّ الدليل القطعي قد قام على حجيّة الظهور وخبر الثقة سواء من الشارع ابتداء كالآيات والأخبار التي يقطع بصدور بعضها أو إمضاء كالسيرة العقلائيّة القائمة على العمل بهذين الطريقين في مرأى ومسمع من الشارع ولم يردع عنهما.
نعم ، لو فرضنا عدم تماميّة شيء من الطرق والحجج والأمارات ولم يقم الدليل القطعي الخاص على حجيّتها والتعبد بها لأمكن المصير إلى هذا الدليل بعد تماميّة سائر المقدّمات الأخرى.
وبهذا اتّضح أنّ الاستدلال بدليل الانسداد على حجيّة مطلق الظن متوقّف على القول بانسداد الطريق العلمي التعبّدي وأنّه لا يوجد دليل خاص يدلّ على حجيّته شرعا ، وقد عرفت قيام هذا الدليل.
وثانيا : أنّ العلم الإجمالي المذكور في المقدّمة الأولى منحلّ بالعلم الإجمالي في دائرة الروايات الواصلة إلينا عن طريق الثقات كما تقدّم ، والاحتياط التام في حدود هذا العلم الإجمالي ليس فيه عسر ومشقة.
وثانيا : المنع من المقدّمة الأولى ، فإنّ العلم الإجمالي المذكور منحلّ بعلم إجمالي أصغر منه مع توفر كلا الشرطين للانحلال.
وبيان ذلك : إنّا وإن كنّا نعلم بوجود عدد كبير من التكاليف ضمن دائرة الشبهات