كلّها ، إلا أنّنا لو أخذنا أخبار الثقات في مختلف الأبواب الفقهية لوجدنا إنّا نعلم إجمالا بصدور عدد كبير منها لا يقل عن العدد المعلوم إجمالا في العلم الإجمالي الكبير ، وحيث إنّ أخبار الثقات داخلة في العلم الإجمالي الكبير أيضا فينحل هذا العلم ، وبالتالي تبطل منجزيته الشاملة لمجموع الشبهات ، ويصبح العلم الإجمالي الصغير الذي دائرته خصوص أخبار الثقات هو المنجّز فقط.
وحينئذ ، فغاية ما يقتضيه هذا العلم الإجمالي هو وجوب الموافقة القطعيّة لكل أطراف دائرة أخبار الثقات تبعا لمنجزيته العقلية فيجب الاحتياط بالأخذ بالتكاليف التي تتضمنها أخبار الثقات وهذا الاحتياط لا مانع منه ولا محذور فيه ، لأنّ دائرة أخبار الثقات أطرافها يمكن الاحتياط فيها ، إذ لا عسر ولا مشقة في ذلك ، ولأنّ الاحتياط فيها لا يلازمه وجوب الاحتياط في كل الشبهات لأنّ سائر الشبهات الأخرى تصبح مشكوكة شكا بدويا فتكون مجرى للأصول الترخيصيّة ، وبالتالي لن يكون الاحتياط هو المسلك والطريق الذي تعتمده الشريعة الإسلامية ، وإنّما هناك طرق أخرى يسلكها المكلّف في سائر الشبهات. فإذا مثل هذه الاحتياط ممكن عقلا ، ومطابق للشريعة أيضا.
وعلى هذا فلا يثبت حجيّة مطلق الظن في سائر الشبهات كما هو المدّعى في هذا الدليل ، وإنّما خصوص الظن الناشئ من خبر الثقة فقط ، ضمن دائرة أخبار الثقات.
وثالثا : إنّا إذا سلّمنا عدم وجوب الاحتياط التام ـ لأنّه يؤدّي إلى العسر والحرج ـ فهذا إنّما يقتضي رفع اليد عن المرتبة العليا من الاحتياط بالقدر الذي يندفع به العسر والحرج ، مع الالتزام بوجوب سائر مراتبه ، لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فيكون الأخذ بالمظنونات حينئذ باعتباره مرتبة من مراتب الاحتياط الواجبة ، وأين هذا من حجيّة الظن؟!
وثالثا : أنّ عدم وجوب الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج إنّما هو فيما إذا كان المقصود من الاحتياط الاحتياط الكامل والتام في سائر الشبهات ، فإنّ هذا يؤدّي إلى العسر والحرج وهما منفيان شرعا ، إلا أنّ نفيهما شرعا ليس معناه نفي الحكم لا حقيقة ولا ادعاء ، وإنّما معناه رفع اليد عن إطلاق الحكم لحالة يكون فيها ضرر أو حرج. وهذا