معناه أنّه لا إطلاق للأحكام الشرعيّة لحالتي العسر والحرج ، لا أنّه لا حكم أصلا في هذين الموردين.
وعلى هذا فيكون المنفي هو الاحتياط التام والكامل أي المرتبة العليا من الاحتياط الشاملة لكل الشبهات والوقائع والحوادث ، لأنّه القدر المتيقن من لزوم العسر والحرج.
وأمّا سائر المراتب الأخرى من وجوب الاحتياط والتي لا عسر ولا حرج فيها فتبقى على حالها من وجوب الاحتياط فيها ، إذ لا عسر ولا حرج ليرفع اليد عنها.
ومن الواضح : أنّ الضرورات تقدر بقدرها لا بأزيد من ذلك ، فإذا كان هناك محذور من الأخذ بالاحتياط فهو في الاحتياط الكامل والتام الشامل لكل الشبهات دون غيره من المراتب الأخرى ، فإنّه لا محذور فيها فيجب الأخذ بالاحتياط في مواردها.
وحينئذ يجب الأخذ بما يظن أنّه الحكم الشرعي الواقعي من باب الاحتياط لا من باب حجيّة مثل هذا الظن.
وفرق كبير بين القول بحجيّة مطلق الظن الشامل بإطلاقه للظن بالتكليف والظن بعدمه ، وبين القول بوجوب الأخذ بالظن من باب الاحتياط العقلي ، فإنّه يختص فيما إذا ظن بالتكليف فقط ، لأنّه يوافق الاحتياط العقلي ، وأمّا إذا ظن بعدم التكليف فلا يكون هذا الظن موافقا للاحتياط العقلي إذ لا احتياط بترك التكليف كما هو واضح.
وهذا معناه لزوم العمل بخصوص الظن بالتكليف أي الظن الذي يكون منجّزا للحكم لا الأعم منه ومن الظن المعذّر أيضا ، وهذا المعنى لا يساوق ولا يلازم الحجيّة ، لأنّ الحجيّة معناها المنجزية والمعذرية على حدّ سواء ، فكان هذا الدليل أخصّ من المدّعى فلا يتمّ المطلوب.
اللهم إلا أن يدّعى قيام الإجماع على أنّ الشارع لا يرضى بابتناء التعامل مع الشريعة على أساس الاحتياط ، فإذا ضمّت هذه الدعوى أمكن أن نستكشف حينئذ أنّه جعل الحجيّة للظن.
اللهم إلا أن يدّعى قيام الإجماع على أنّ الشارع لم يجعل الاحتياط كطريق عام يسلكه الناس جميعا في سائر الشبهات وفي مختلف الأبواب الفقهية وفي شتّى ميادين الحياة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والقضاء والحدود وغيرها.
فإنّ المتتبّع للشريعة الإسلامية ولمفاهيمها وعقائدها يحصل له القطع بأنّ الإسلام