دين الحياة بمختلف نواحيها وميادينها وقد سنّ القوانين والقواعد والأحكام العامّة والكليّة لبني البشر جميعا على أساس الملاكات والمبادئ والمصالح والمفاسد والاحتياط إنّما جعل في بعض الأبواب والفروع فقط ، ولم يجعل الاحتياط واجبا وطريقا ومسلكا لمعرفة الأحكام الشرعيّة جميعا ، وإنّما جعل الاحتياط حسنا فقط.
وهذه الدعوى لا يبعد صحتها فإنّ الشارع لا يرضى بكون الاحتياط هو الأسلوب الوحيد للتعامل مع أحكامه لأنّ الشريعة سهلة سمحاء ، ولأنّها مبنية على التخفيف والتوسعة في كثير من الحالات ، فهذا كلّه يجعلنا نستبعد أن يكون العمل بالمظنونات كان لأجل موافقتها للاحتياط كما ذكرنا آنفا ، وإنّما كان العمل بالمظنونات من أجل حجيّة الظن وكاشفيّته عن الواقع ولو كشفا ناقصا ، ولذلك إمّا أن يكون العمل بالظن قد ثبت بشكل مطلق من الشارع ، وإمّا أن يكون العمل به قد ثبت بنحو خاص ، والأوّل يتوقّف على تماميّة مثل هذه الدليل والذي تقدّم النقاش في كثير من مقدماته ، والثاني هو المدّعى في خصوص الظهورات وخبر الثقة.
وعلى كلا التقديرين فالعمل بالظن لأجل كاشفيّته وحجيّته إما عقلا وإما تعبدا وإما بنحو مطلق وإما بنحو خاص ، وليس التعويل على الظن من باب كونه احتياطا لأنّ الاحتياط يقطع بكونه غير مطابق لروح الشريعة الإسلامية السمحاء.
وقد تلخص من استعراض أدلة الحجيّة أنّ الاستدلال بآية النبأ تام ، وكذلك بالسّنة الثابتة بطريق قطعي كسيرة المتشرّعة والسيرة العقلائيّة.
وإلى هنا نخلص بنتيجة مفادها : أنّ خبر الواحد حجّة لقيام الدليل الشرعي الخاص على حجيّته سواء من الكتاب الكريم كآية النبأ التي مفادها حجيّة خبر العادل الذي هو قسم من خبر الواحد ، أو من السنّة الشريفة القطعيّة الثابتة بسيرة المتشرّعة أو سيرة العقلاء القائمتين على العمل بخبر الثقة (١).
وبهذا يتمّ الدليل الخاص على انفتاح باب العلمي المانع من تماميّة الاستدلال بدليل الانسداد المبتني على انسداد باب العلمي كما تقدّم.
__________________
(١) وأمّا الإجماع فلا يمكن ادعاء كونه قائما على العمل بخبر الثقة ليجعل دليلا على حجيّته ، لأنّ الإجماع على خبر الثقة لا يمكن ادعاؤه مع وجود المخالف له بل مع وجود الإجماع على خلافه أيضا كما ادعاه البعض ، ولذلك لا يمكن جعله دليلا في المقام.