فيجتمعان في خبر الثقة الفاسق من سائر الجهات غير الكذب الإخباري ، فآية النبأ بمنطوقها تنفي الحجيّة عنه ، بينما الأدلّة الأخرى تثبت الحجيّة له ، وحينئذ يتعارضان ويحكم بتساقطهما ؛ إذ لا مرجّح لأحدهما على الآخر ، وبعد تساقطهما يرجع إلى الأصول الأوليّة في المقام حيث يشك في أنّ خبر الثقة الفاسق هل هو حجّة أم لا؟
وفي مثل هذا الأصل عدم الحجيّة ، كما تقدّم سابقا لأنّ القاعدة الأولية عند الشك في الحجيّة هو عدمها حتّى تثبت الحجيّة بدليل خاص معتبر ، وهذا الدليل الخاص لم يتمّ كما هو المفروض لوجود المعارض له.
وأمّا خبر الثقة العادل فآية النبأ تثبت حجّيته ، وكذلك سائر الأدلّة الأخرى ، فيؤخذ به بالخصوص.
ولكن الصحيح أنّه لا إطلاق في منطوق الآية الكريمة لخبر الثقة الفاسق ، لأنّ التعليل بالجهالة يوجب اختصاصه بموارد يكون العمل فيها بخبر الفاسق سفاهة ، وهذا يختص بخبر غير الثقة ، فلا تعارض إذن ، وبذلك يثبت حجيّة خبر الثقة دون غيره.
والصحيح أنّه لا تعارض بين منطوق آية النبأ وبين ما دلّ على حجيّة خبر الثقة ، وذلك لأنّ منطوق آية النبأ مختص بخبر الفاسق الذي يكون فسقه ناتجا عن الكذب ، فلا إطلاق فيها للفاسق الكاذب وغيره ، ولذلك تكون بمفهومها دالة على حجيّة خبر العادل بمعنى حجيّة خبر غير الفاسق ، والوجه في ذلك أحد أمرين :
الأوّل : مناسبات الحكم والموضوع التي يستفاد منها أنّ التوقف والتّبين إنّما كان بملاك الكذب في الخبر لا مطلقا ، خصوصا أنّ اصطلاح الفسق بما يشمل سائر الجهات لم يكن شائعا ومعروفا فيحمل على معناه اللغوي وهو الكذب.
الثاني : التعليل بالجهالة في ذيل الآية فإنّ العلّة تعمّم أو تخصّص الحكم ، وحيث إنّ التعليل في وجه رفض حجيّة خبر الفاسق ووجوب التّبين عنه كان بسبب الجهالة التي هي بمعنى الطيش والسفاهة وعدم الاتزان كان معنى ذلك أنّ التعليل يضيّق دائرة الحكم ويخصّصها في خبر الفاسق الذي يوجب هذه الأمور.
ومن الواضح أنّ خبر الفاسق إنّما يوجب ذلك فيما إذا كان كاذبا لا مطلقا ، فيكون