المقصود خصوص الفسق في الإخبار الذي هو الكذب ؛ إذ لا سفاهة في العمل بخبر الثقة الفاسق من سائر الجهات ، وعليه فلا تعارض بين هذين المدركين ، بل هما متفقان على حجيّة خبر الثقة حتّى وإن كان فاسقا من سائر الجهات الأخرى ، فيؤخذ به بلا إشكال.
وهل يسقط خبر الثقة عن الحجيّة إذا وجدت أمارة ظنيّة نوعيّة على كذبه؟
وهل يرتفع خبر غير الثقة إلى مستوى الحجيّة إذا توفرت أمارة من هذا القبيل على صدقه؟
فيه بحث وكلام ، وقد تقدّم موجز عن تحقيق ذلك في الحلقة السابقة.
ثمّ إنّه يوجد هنا مطلبان :
المطلب الأوّل : لو فرض وجود خبر واجد لشروط الحجيّة بأن كان عادلا أو ثقة ، وقامت أمارة ظنيّة نوعيّة على خلافه ، وأنّ مضمونه كاذب كما لو قامت الشهرة الفتوائية على خلافه ، فهل يسقط مثل هذا الخبر عن الحجيّة أم لا؟
والجواب عن ذلك يختلف باختلاف تفسير الوثاقة المأخوذة في شروط الحجيّة ، فهل الوثاقة المأخوذة فيه بنحو الطريقية أم أنّها بنحو الموضوعية؟
فإنّ قيل بأنّها مأخوذة على وجه الطريقية وبما هي سبب لحصول الوثوق بالصدق وبصحّة قوله وما يرويه ، فهنا تكون الأمارة الظنية على خلاف الخبر موجبة لضعفه وتسقطه عن الحجيّة ، من قبيل إعراض المشهور عن العمل بالخبر الصحيح ، فإنّ إعراضهم يعتبر قرينة ظنيّة نوعيّة على عدم صحّة ما يرويه وإن كان واجدا لشرائط الحجيّة ؛ وذلك لأنّ طريقيته تسقط ولا توجب الوثوق بالصدق.
وإن قيل : إنّها مأخوذة على نحو الموضوعية فهذا يعني أنّ المدار على كون الخبر واجدا لشرائط الحجيّة فقط بقطع النظر عن كونها تفيد الوثوق أو لا ، وعلى هذا فلا يكون إعراض المشهور أو قيام قرينة ظنيّة على خلافه موجبا لوهنه وسقوطه ، بل يبقى على حجيّته.
والصحيح هو الأوّل ، لأنّ بناء العقلاء الذي هو المدرك الأساسي في حجيّة الخبر قائم على أساس نكتة الكاشفيّة ، فمع وجود القرينة الظنية المعاكسة تسقط هذه الكاشفيّة أو يوجد لها معارض وهو كاف في منع كاشفيتها.