للكلام بأن كان اللفظ الموجود في الدليل مشتركا بين عدة معان وكل هذه المعاني متساوية النسبة إليه ، ولا معين لأحدها على الآخر ؛ كقولك : رأيت عينا ، فإنّ العين تصلح لأنّ تكون العين النابعة أو الباصرة أو الشيء.
الثاني : أن يكون نصّا بمعنى أن يكون المدلول واحدا ولا يحتمل معه شيء آخر ، فتكون دلالة اللفظ على المعنى قطعية لا شكّ فيها أبدا بحسب النظام اللغوي ، بحيث لا يكون هناك معنى آخر بديلا عن هذا المعنى ؛ كقولك : رأيت رجلا.
الثالث : أن يكون ظاهرا ، بمعنى أنّه يوجد لمدلول الدليل عدة معان ، ولكن كان أحد هذه المعاني هو الأسبق تصوّرا في الذهن من البقية ، أي أنّ الذهن عند ما يتصور هذا اللفظ ينتقل فورا إلى أحد معانيه مع احتمال إرادة سائر المعاني الأخرى أيضا ، إلا أنّ ما تصوّره الذهن هو المعنى المتبادر والمنسبق من اللفظ بحسب النظام اللغوي ، أو بحسب المتفاهم عرفا ، كظهور اللفظ الخالي من القيود في الإطلاق ، أو ظهور بعض الجمل في المفهوم ونحو ذلك.
وهذا هو المقصود من البحث هنا ، وسيأتي الحديث عنه مفصّلا بعد الحديث عن المجمل والنص.
فتلخّص من ذلك أنّ : النص هو أن يدلّ اللفظ على معناه من دون احتمال شيء آخر معه.
والمجمل هو أن يدلّ اللفظ على عدّة معان كلّها متساوية ومتكافئة ولا ترجيح لأحدها.
والظاهر هو أن يدلّ اللفظ على عدّة معان لكنّ أحدها أسبق تصوّرا من البقيّة عرفا ولغة.
أمّا المجمل فيكون حجّة في إثبات الجامع بين المحتملات ، إذا كان له على إجماله أثر قابل للتنجيز ، ما لم يحصل سبب من الخارج يبطل هذا التنجيز ، إما بتعيين المراد من المجمل مباشرة ، وإما بنفي أحد المحتملين فإنّه بضمه إلى المجمل يثبت كون المراد منه المحتمل الآخر ، وإما بمجمل آخر مردّد بين محتملين ويعلم بأن المراد بالمجملين معا معنى واحد وليس هناك إلا معنى واحد قابل لهما معا فيحملان عليه ، وإما بقيام دليل على إثبات أحد محتملي المجمل فإنّه وإن كان لا يكفي لتعيين المراد من المجمل