تشخيص موضوع الحجيّة
ظهور الكلام في المعنى الحقيقي قسمان ـ كما تقدّم ـ تصوّري وتصديقي.
والظهور التصوّري كثيرا ما لا ينثلم حتّى في حالة قيام القرينة المتّصلة على الخلاف ، فإذا قال المولى : ( اذهب إلى البحر وخذ العلم منه ) ، كانت الجملة قرينة على أنّ المراد بالبحر معنى آخر غير معناه الحقيقي ، وعلى الرغم من وجود القرينة فإنّ الظهور التصوّري لكلمة البحر في معناها الحقيقي لا يزول ، وإنّما يزول الظهور التصديقي في إرادة المتكلّم لذلك المعنى الحقيقي.
تقدّم سابقا أنّ للكلام ثلاثة ظهورات :
الأول : الظهور التصوّري وهو الصورة الذهنية التي تحضر إلى الذهن بمجرّد سماع اللفظ ، أي عبارة عن المعنى الموضوع له اللفظ ، ولذلك يكون منشأ هذا الظهور هو الوضع والعلم به.
الثاني : الظهور التصديقي الأوّل أي الإرادة الاستعمالية ، فإذا كان المتكلّم ملتفتا وعاقلا وتلفّظ بهذا اللفظ يعلم بأنّه قد أراد استعمال اللفظ في معناه وإخطار هذا المعنى في ذهن السامع.
الثالث : الظهور التصديقي الثاني أي الإرادة الجديّة ، فإذا كان المتكلّم حكيما وعاقلا وملتفتا وتكلم بكلام فيكون له مراد جدي وراء تصوّر المعنى وإخطاره في الذهن ، وهذا المراد الجدّي هو أنّه يريد واقعا ما ظهر من كلامه أو ما أفاده من كلام ومعنى وليس هازلا.
والظهوران التصديقيّان الثاني والثالث يعتمدان على ظهور حال المتكلّم كما هو واضح.
وحينئذ نقول : إنّ الظهور التصوّري لا ينثلم ولا ينهدم أبدا حتّى مع وجود القرينة المتّصلة على خلافه.