فهذا إنّما يكون محفوظا فيما إذا لم يكن هناك قرينة متّصلة على الخلاف ، ففي المثال المتقدّم لا يكون هناك ظهور تصديقي استعمالي ولا جدي لكلمة ( البحر ) في أنّها استعملت في معناها الحقيقي وأنّه مراد جدا ، وأمّا اذا لم يكن هناك قرينة متّصلة على الخلاف فينعقد هذا الظهور التصديقي ، وتكون الكلمة مستعملة في معناها الحقيقي ، وأنّه مراد جدا ، كما لو قال المتكلّم : ( اذهب إلى البحر ).
نعم ، إذا كان هناك قرينة منفصلة على الخلاف فتكون هذه القرينة هادمة لحجيّة الظهور التصديقي الثاني لا الأوّل ، فلو قال المتكلّم : ( اذهب إلى البحر ) انعقد للكلام ظهور تصوّري وظهور تصديقي أوّل وظهور تصديقي ثان أي أنّه أخطر المعنى الحقيقي من اللفظ وأنّه استعمله فيه وأنّه أراده جدا ، فإذا قال بعد ذلك : ( وخذ العلم منه ) كانت هذه القرينة المنفصلة هادمة للمراد الجدّي أي الظهور التصديقي الثاني دون الظهور التصديقي الأوّل أو الظهور التصوّري ، بمعنى أنّه يتبين من خلال هذه القرينة المنفصلة أنّ المتكلّم لا يريد جدّا من كلمة البحر معناها الحقيقي لا أنّه لم يخطرها ولم يستعملها في المعنى الحقيقي.
ولذلك نقول : إنّ الظهور التصديقي الأوّل أي الإرادة الاستعمالية متوقفة على عدم القرينة المتّصلة لا المنفصلة.
وأمّا الظهور التصديقي الثاني فهو يتوقّف على عدم القرينة المنفصلة بلحاظ حجيّته لا بلحاظ أصل انعقاده ، وأمّا القرينة المتّصلة فهي تمنع من أصل انعقاده كالظهور التصديقي الأوّل.
وعلى ضوء التمييز بين الظهور التصوّري والظهور التصديقي ، وبعد الفراغ عن حجيّة الظهور عقلائيّا وعن سقوطها مع ورود القرينة ، لا بدّ من البحث عن تحديد موضوع هذه الحجيّة ، وكيفيّة تطبيقها على موضوعها ، وبهذا الصدد نواجه عدة محتملات بدوا :
ثمّ إنّه بعد أن ميّزنا بين الظهور التصوّري والظهور التصديقي بقسميه ، وعرفنا أنّ الأوّل محفوظ دائما ، والثاني منوط بعدم القرينة المتّصلة على الخلاف ، وبعد أن أثبتنا حجيّة الظهور عقلائيّا أي أنّها من الأمارات العقلائيّة التي تكون كاشفة عن المراد الواقعي للمتكلّم ، وبعد أن عرفنا أنّ هذه الحجيّة تسقط مع وجود القرينة ، نأتي