عن الواقع والمراد وليس عند العقلاء أصول وبناءات تعبّدية محضة ، وعلى هذا فحيثية الكشف الموجودة في أصالة عدم النقل والتغير في موارد جريانها هي ذلك الإيحاء الخادع الذي يوحي بالثبات في اللغة نتيجة كون التغير بطيئا بحيث لا يحصل في حياة الفرد عادة.
وهذه الحيثية يعلم بعدم وجودها هنا لأنّه مع العلم بالنقل والتغير كيف يمكننا إلغاء احتمال التغير بأصالة عدم النقل؟ إذ لا مبرّر ولا كاشفيّة لهذه الأصالة في الفرض المذكور حيث يعلم بوقوع التغير جزما والكاشفيّة كانت تعتمد على تخيل الثبات والاستقرار في اللغة والوضع ، وهي لا تجتمع مع العلم المفروض.
بل لا يخلو التمسّك بأصالة عدم النقل من الاشكال في الموارد التي علم فيها بوجود ظروف معينة بالإمكان أن تكون سببا في تغيّر مدلول الكلمة ، وإنّما المتيقن منها عقلائيّا حالات الاحتمال الساذج للتغير والنقل.
المورد الثاني : فيما إذا علم بوجود الظروف والعوامل والمؤثّرات المختلفة سواء الفكرية والاجتماعية واللغوية وغير ذلك ، فإنّ هذه المؤثّرات من شأنها حال وجودها في فترة ما أن تؤثر على اللغة فتغيّر من ظواهرها أو تدخل ألفاظا جديدة على اللغة بحسب التقدم والتطور الفكري والاجتماعي للشعوب.
وهذا يعني أنّه من المظنون جدا أن يحصل النقل والتغير في ظواهر الالفاظ في الفترة التي توجد فيها هذه المؤثّرات النوعيّة ؛ ولذلك فيكون احتمال النقل والتغير احتمالا معتدا به نوعا لوجود كافة المبررات لذلك. وحينئذ لا يمكننا التمسّك بأصالة عدم النقل لأنّ المفروض وجود أمارات ظنيّة معاكسة لهذه الأصالة تقتضي حصول التغير والنقل ، وهذه الأمارات لها كاشفيّة ظنيّة نوعيّة عن الواقع لأنّه في الغالب والعادة أن تحدث التغيرات عند حصول أسبابها وظروفها ، والمفروض أنّنا نعلم بوجود هذه الأسباب والظروف والعوامل ونشك في حصول التغير مع كون البناء العقلائي هنا على حدوثه وحصوله.
وعلى هذا فيقع التعارض بين أصالة عدم النقل الكاشفة نوعا عن إلغاء احتمال التغير والنقل وبين هذه الأمارات الظنية الكاشفة نوعا عن التغير والنقل وإذ لا ترجيح لأحدهما فيتعارضان ويتساقطان ، وبالتالي لا يمكن إثبات عدم النقل والتغير.