من أنّ تلك الفترة بالذات قد شهدت تغيرات كثيرة في اللغة بحيث كانت كل العوامل والظروف التي تساعد على التغير والتطور موجودة آنذاك من دخول أقوام ولغات وشعوب متعدّدة على بلادهم ، فكلّ ذلك لم يكن بنظرهم واعتقادهم مانعا عن العمل بالظهور الفعلي وكونه حجّة.
وبذلك يظهر أنّ العمل بالظهور في عصر السماع حجّة لأنّه كاشف عن الظهور في عصر النصّ والصدور ، ومجرّد احتمال التغير لا يشكّل مانعا عن ذلك إلا إذا ثبت في مورد خاص التغير والنقل ، ولذلك نقول :
ولكن أصالة عدم النقل لا تجري فيما إذا علم بأصل التغير في الظهور أو الوضع ، وشك في تاريخه لعدم انعقاد البناء العقلائي في هذه الحالة على افتراض عدم النقل في الفترة المشكوكة.
والسرّ في ذلك أنّ البناءات العقلائيّة إنّما تقوم على أساس حيثيات كشف عامّة نوعيّة ، فحينما يلغى احتمال النقل عرفا يستند العقلاء في تبرير ذلك إلى أنّ النقل حالة استثنائيّة في حياة اللغة بحسب نظرهم ، وأمّا حيث تثبت هذه الحالة الاستثنائيّة فلا تبقى حيثيّة كشف مبرّرة للبناء على نفي احتمال تقدمها.
ثمّ إنّ أصالة عدم النقل لا تجري في موردين ، هما :
المورد الأوّل : أن يعلم بأصل وجود النقل والتغير في اللغة أو الظهور أو الوضع ، بحيث نجزم بأنّ هذا اللفظ كان ظاهره مغايرا لما هو الظاهر منه الآن ، إلا أنّنا لا نعلم تاريخ هذا النقل وأنّه هل حصل التغير قبل صدور الكلام من الشارع أم بعده؟ فلو كان التغير موجودا قبل صدور الكلام من الشارع فهذا معناه أنّ الكلام كان ظاهرا من أول الأمر في المعنى الجديد الموجود عندنا الآن ، وإن كان قبل صدوره فهذا يعني أنّ المعنى الظاهر من كلام الشارع مغاير لما هو موجود الآن.
وحيث إنّنا نشك في فترة وتاريخ التغير والنقل فلا تجري أصالة عدم النقل والتغير لنفي احتمال التغير ؛ وذلك لأنّ العقلاء لا يبنون في هذه الحالة على إلغاء احتمال التغيّر إذ المفروض العلم بحصوله ولو إجمالا ، ففي هذه الحالة يختلّ البناء العقلائي المبرّر لجريان أصالة عدم النقل.
والوجه في ذلك : أنّ البناءات العقلائيّة كما ذكرنا مرارا تقوم على أساس الكاشفيّة