وبهذا نعرف أنّ أصالة عدم النقل وعدم التغيّر كاشفة عن الثبات وبالتالي تكشف عن الظهور الموضوعي في عصر النصّ أيضا ، وأنّه مطابق للظهور الموضوعي في عصر السماع ، وهذه الكاشفيّة ولو كانت خادعة إلا أنّ الشارع أمضاها ، وإمضاؤه معناه أنّه سمح باكتشاف ظهور كلامه على أساس هذا الأصل.
وليس معنى إمضائه أنّه قد صادق وصوّب على صحّة هذا الإيحاء ، بل الإيحاء خاطئ بالدقة إلا أنّ الشارع اعتبر أنّ هذا الإيحاء كاشف تعبدي عن الظهور ، وأنّ احتمال الخلاف منتف. وبالتالي فيكون احتمال التطابق بين الظهورين حجّة إلا أن يثبت خلافه ، وأنّ التغير قد وقع في هذا المورد بخصوصه فعلا.
هذا كلّه بالنسبة للسيرة العقلائيّة وكيفيّة الاستدلال بها على أصالة عدم النقل.
ولا شكّ أيضا في أنّ المتشرّعة الذين عاصروا المعصومين خلال أجيال عديدة طيلة قرنين ونصف من الزمان كانت سيرتهم على العمل بأصالة عدم النقل وعلى الاستناد في أواسط هذه الفترة وأواخرها إلى ما يرونه من ظواهر الكلام الصادر في بدايات تلك الفترة مع أنّها كانت فترة حافلة بمختلف المؤثّرات والتجديدات الاجتماعية والفكرية التي قد يتغيّر الظهور بموجبها.
ويستدلّ أيضا على أصالة عدم النقل والتغير بسيرة المتشرّعة ممّن عاصر الأئمّة عليهمالسلام خلال أجيال متعدّدة ، تبلغ قرنين ونصف من الزمان ، فإنّ سيرتهم كانت قائمة فعلا على الأخذ بظاهر كلام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الماضين عليهمالسلام وفق ما هو ظاهر بالفعل في عصرهم ، بمعنى أنّهم كانوا في عصر الإمام الحادي عشر مثلا يعملون بما يرونه ظاهرا فعلا من كلام الإمام الأوّل مثلا ، أو كلام النبيّ ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ من دون شكّ أو ارتياب في ذلك ، ومن دون الالتفات إلى التغير النسبي في اللغة بل كانوا يسيرون عمليّا ويبنون على أصالة عدم النقل وأنّ الظاهر من اللفظ الآن هو المعنى الذي كان ظاهرا سابقا ، وهذا يعني إلغاء احتمال الخلاف وعدم التطابق في الظهور بين العصرين.
وهذا العمل والبناء من المتشرّعة كان قائما بالفعل رغم تدينهم واحتياطهم وعدم تصرفهم إلا بما يكون صادرا ومقبولا من الشارع ، ولذلك يكشف عملهم هذا بطريق الإنّ عن كون العمل بالظهور الفعلي حجّة شرعا ، وأنّ الشارع يقبل بذلك على الرغم