عقلائيّا ، ولذلك لا بد أن نعرف الحيثية الكاشفة وكيفيّة دلالتها على المدّعى ، وعليه فنقول :
وهذا الأصل العقلائي يقوم على أساس ما يخيّل لأبناء العرف ـ نتيجة التجارب الشخصيّة ـ من استقرار اللغة وثباتها ، فإنّ الثبات النسبي والتطور البطيء للغة يوحي للأفراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيّرها وتطابق ظواهرها على مرّ الزمن.
وهذا الإيحاء وإن كان خادعا ولكنّه على أيّة حال إيحاء عام استقرّ بموجبه البناء العقلائي على إلغاء احتمال التغيير في الظهور باعتباره حالة استثنائيّة نادرة تنفى بالأصل ، وبإمضاء الشارع للبناء المذكور نثبت شرعية أصالة عدم النقل ، أو أصالة الثبات ، ولا يعني الإمضاء تصويب الشارع للإيحاء المذكور وإنّما يعني من الناحية التشريعيّة جعله احتمال التطابق حجّة ما لم يقم دليل على خلافه.
والمنشأ لهذا الأصل العقلائي هو أنّ العقلاء من أبناء اللغة والعرف يخيّل إليهم أنّ اللغة مستقرة وثابتة لما يشاهدونه بأنفسهم من خلال تجاربهم الشخصيّة واستقرائهم لظهور الألفاظ ودلالتها على معانيها ، فإنّ كل فرد منهم يتخيّل أنّ هذه اللغة الموجودة الآن والمعاني الموضوعة لها الألفاظ كانت ولم تتغير عن حالتها.
والوجه في هذا التخيّل هو أنّ تغيّر اللغة وتطورها وإن كان حقيقة ثابتة وواقعيّة ، ولكن اللغة إنّما يحدث فيها التغير والتطور مع مرور الزمن وليس فجأة ، وهذا معناه أنّ الثبات نسبي أي أنّه موجود في حياة الفرد ؛ لأنّ التغير لا يتمّ إلا بوقت طويل. وعليه ، فكلّ فرد يتخيّل الثبات لما يحسّه بالوجدان.
وهذا التخيّل مع التطوّر البطيء للغة يوحي للناس العاديين أنّ ظواهر اللغة ثابتة وغير متغيرة ، ولكن بالدقة والتحليل نجد أنّ التغير موجود ، إلا أنّ هذا الإيحاء وإن كان خادعا وخاطئا لكنّه يشكّل ظاهرة عامّة لدى كل الناس العاديين بأنّ الظواهر مستقرة ولذلك يبنون على إلغاء احتمال التغير أو يعتبرونه حالة نادرة واستثنائيّة ، فإذا شكّ في التغير في مورد ما يبنى على عدمه على أساس أصالة عدم النقل وعدم التغير وعلى أساس هذا الإيحاء بالثبات للغة.
والشارع لاحظ هذا الأمر في حياة العقلاء ومع ذلك سكت عنه فهذا يكشف عن إمضائه وبالتالي نستكشف أن أصالة عدم النقل مقبولة شرعا والشارع أجاز التعبّد بها.