٤ ـ أن يكون الاستثناء راجعا للنسبة ، كقولنا : ( أكرم العلماء إلا أن يفسق أحدهم ) أي أنّ وجوب إكرام العلماء يستثنى منه فسق أحدهم.
وهنا أيضا لو حوّلنا الاستثناء في قولنا : ( يجب إكرام الفقراء إلا الفسّاق ) إلى مفهوم اسمي لوجدنا أنّ بالإمكان أن نقول تارة : ( وجوب إكرام الفقراء يستثنى منه الفسّاق ) ، وأن نقول أخرى : ( جعل الشارع وجوبا لإكرام الفقراء مستثنى منه الفسّاق ) ، والقول الأوّل يدلّ على الاستثناء من الطبيعي ، والقول الثاني يدلّ على الاستثناء من شخص الحكم.
ولأجل معرفة أنّ للجملة مفهوما نحوّل الجملة من دلالتها على الاستثناء بنحو المعنى الحرفي إلى الاستثناء بنحو المعنى الاسمي ، فإنّ كلّ حرف يوازيه اسم ، فكلمة ( إلا ) ونحوها من الأدوات الدالّة على الاستثناء ( ما عدا ، ما خلا ، حاشا ، سوى وغير ) يوازيها معنى اسمي يدلّ على الاستثناء ، وهو نفس مفهوم الاستثناء ، ولذلك نجد أنّه بالإمكان التعبير عن هذا المعنى الاسمي بأحد نحوين :
١ ـ أن نقول بدل قولنا : ( أكرم الفقراء إلا الفسّاق ) ( وجوب إكرام الفقراء مستثنى منه الفساق ).
٢ ـ أن نقول بدلا عن الجملة المذكورة ( جعل الشارع وجوبا لإكرام الفقراء مستثنى منه الفسّاق ).
وبالمقارنة بين هذين النحوين نجد أنّ النحو الأوّل منهما يدلّ على المفهوم ؛ وذلك لإمكان جريان الإطلاق وقرينة الحكمة في موضوع الحمليّة وهو ( وجوب إكرام الفقراء ) ، فإنّه على وزان قولنا : ( الربا ) في جملة : ( الربا حرام ) ، أي أنّه اسم جنس محلّى بـ ( اللام ) أو مضاف للمحلّى بـ ( اللام ) ، فيجري فيه الإطلاق وقرينة الحكمة لإثبات العموم والاستغراق لكلّ الأفراد ، فيكون الاستثناء راجعا إلى طبيعي الوجوب ، أي أنّ الفسّاق استثني طبيعي وجوب إكرامهم فلا إكرام لهم أبدا.
بينما النحو الثاني لا يدلّ على المفهوم ؛ لأنّ الجملة لا تدلّ على أكثر من أنّ هناك وجوبا مجعولا من الشارع على الفقراء المستثنى منهم الفسّاق ، وهذا لا يمنع من وجود وجوب آخر لا يستثنى منه الفسّاق ، أي أنّ المنتفي والمستثنى هو شخص الحكم لا الطبيعي.