مفهوم الحصر
لا شكّ في أنّ كلّ جملة تدلّ على حصر حكم بموضوع تدلّ على المفهوم ؛ لأنّ الحصر يستبطن انتفاء الحكم المحصور عن غير الموضوع المحصور به.
الجملة الحصرية ، كقولنا : ( إنّما العالم زيد ) ، وكقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) ، وقولنا : ( العالم زيد ).
والحصر لغة يدلّ على كلا الركنين في المفهوم ، أي على التوقّف وعلى أنّ المحصور هو طبيعي الحكم لا شخصه ، ولذلك كان مفهوم الحصر أقوى المفاهيم ؛ لأنّ دلالته عليه بكلا ركنيه وضعيّة ، فلا نحتاج إلى قرينة خارجيّة أصلا.
ومعنى الحصر إفادة تأكيد الربط الحاصل والموجود في الجملة قبل دخول أداة الحصر عليها ، فقولنا مثلا : ( زيد عالم ) هناك ربط بين زيد والعلم إلا أنّه لا ينفي العلم عن غيره ، فإذا دخلت أداة الحصر فصارت الجملة : ( إنّما العالم زيد ) أفادت معنى جديدا لم يكن موجودا في الجملة وهو أنّ هذا الربط بين العلم وزيد بنحو الحصر ، أي أنّه العلم محصور على زيد ومتوقّف ثبوته على زيد ولا يوجد إلا معه ، فإذا انتفى زيد انتفى العلم ، فالربط الخاصّ متحقّق إذا.
والحصر بنفسه قرينة على أنّ المحصور طبيعي الحكم لا حكم ذلك الموضوع بالخصوص ، إذ لا معنى لحصره حينئذ ؛ لأنّ حكم الموضوع الخاصّ مختصّ بموضوعه دائما. وما دام المحصور هو الطبيعي فمقتضى ذلك ثبوت المفهوم ، وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.
وأمّا الركن الثاني وهو أنّ المحصور هو طبيعي الحكم فهذا مستفاد من أداة الحصر أيضا ؛ لأنّ شخص الحكم محصور بموضوعه ومختصّ به دائما تبعا للعلاقة بين الحكم وموضوعه.