فقولنا : ( يجب إكرام زيد ) يفيد أنّ هناك وجوبا خاصّا بإكرام زيد ومحصور به ولا ينطبق على غيره ؛ لأنّ الخاصّ لا ينطبق إلا على نفسه. فإذا دخلت أداة الحصر ( إنّما يجب إكرام زيد ) دلّت على أنّ الحكم المحصور هو طبيعي الوجوب لا شخصه ؛ لأنّ شخصه محصور في رتبة سابقة فلا معنى لحصره من جديد ، بل لا يكون لأداة الحصر فائدة أصلا من حصر شخص الحكم إلا التأكيد الذي هو خلاف الظاهر من وضع أدوات الحصر في اللغة ؛ لأنّ الأصل فيه أنّه موضوع لمعنى جديد. وبذلك يثبت الركن الثاني أيضا.
والنتيجة ثبوت المفهوم لجملة الحصر بلا إشكال منهم.
وإنّما الكلام في تعيين أدوات الحصر ، فمن جملة أدواته كلمة ( إنّما ) ، فإنّها تدلّ على الحصر وضعا بالتبادر العرفي.
نعم ، وقع الخلاف بينهم في تعيين أدوات الحصر ، ومن جملة هذه الأدوات التي وقع النزاع فيها كلمة ( إنّما ).
فقال الشيخ الأنصاري بعدم دلالتها على الحصر ؛ لأنّ موارد استعمالها مختلفة ، ولا يوجد في الفارسيّة مرادف لها ليعرف ما هو المتبادر منها.
وأجابه في ( الكفاية ) بأنّه يكفي التبادر عند أهل اللغة والعرف ، والعرف اللغوي والمتبادر أنّ هذه الكلمة تدلّ على الحصر. ولذلك قال السيّد الشهيد بأنّ التبادر العرفي من هذه الكلمة هو الحصر.
ومن أدواته جعل العامّ موضوعا مع تعريفه والخاصّ محمولا ، فيقال : ( ابنك هو محمّد ) بدلا عن أن نقول : ( محمّد هو ابنك ) ، فإنّه يدلّ عرفا على حصر البنوّة بمحمّد ، والنكتة في ذلك أنّ المحمول يجب أن يصدق بحسب ظاهر القضيّة على كلّ ما ينطبق عليه الموضوع ، ولا يتأتّى ذلك في فرض حمل الخاصّ على العامّ إلا بافتراض انحصار العام بالخاصّ.
ومن الأدوات التي وقع النزاع فيها كون العامّ المعرّف هو الموضوع وكون الخاصّ هو المحمول ، كقولنا : ( العالم هو زيد ) و ( ابنك هو محمّد ) ، فإنّ الأصل في هاتين الجملتين هو ( زيد هو العالم ) و ( محمّد هو ابنك ).
ولا إشكال في دلالة هذا السياق على الحصر للتبادر وللفهم العرفي ، حيث يفهم