ومن أمثلة ذلك : قيامها مقام القطع المأخوذ عدمه في موضوع دليل الأصل ، وبهذا يكون دليل الحجّيّة رافعا لموضوع دليل الأصل تعبّدا ، وهو معنى الحكومة.
الاتّجاه الثاني : تقديم دليل الأمارة على دليل الأصل للحكومة.
وبيان ذلك : أنّنا نسلّم كون العلم المأخوذ غاية في موضوع الأصل هو العلم بما هو كاشف تامّ لا بما هو حجّة ودليل ، وهذا معناه أنّ الأصل لا يرتفع إلا إذا حصل العلم الوجداني على الخلاف.
ولكن لمّا جعل الشارع الأمارة حجّة فدليل الحجّيّة للأمارة مفاده جعل الأمارة علما وطريقا كاشفا عن الواقع على حدّ كاشفيّة العلم ، ولكنّ هذا بلسان الادّعاء والتعبّد ، فالشارع يتعبّدنا بالعلميّة والكاشفيّة التامّة في موارد الأمارة.
وحينئذ إذا لاحظنا دليل حجّيّة الأمارة مع موضوع دليل الأصل العملي كان الأوّل حاكما على الثاني على أساس ملاك التنزيل فتكون الحكومة تنزيليّة ؛ وذلك لأنّ الشارع يدّعي ثبوت العلم بالأمارة ، وهذا معناه أنّه ناظر إلى الأدلّة التي أخذ في موضوعها العلم نفيا أو إثباتا ، ويوسّع هذا الموضوع لكي يشمل العلم التعبّدي أيضا.
وهذا معناه قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي ؛ لأنّ كلّ ما أخذ العلم في موضوعه نفيا أو إثباتا يصبح المراد النهائي منه هو العلم الأعمّ من الوجداني والتعبّدي على أساس الحكومة في دليل حجّيّة الأمارة.
ومن جملة موارد قيامها مقام القطع الموضوعي مورد بحثنا ؛ لأن العلم قد أخذ جزءا من موضوع الأصل العملي « رفع ما لا يعلمون » ، فيكون المراد منه أنّ كلّ ما لا علم وجداني ولا علم تعبّدي فيه فهو مرفوع ، وأمّا مع ثبوت أحد الفردين من العلم فيرتفع موضوع الأصل.
وهنا الأمارة تثبت العلم التعبّدي فيرتفع بذلك موضوع الأصل تعبّدا ، وهو معنى الحكومة ؛ لأنّ عدم العلم الوجداني والحقيقي لا يزال ثابتا ، وإنّما الذي ارتفع هو عدم العلم التعبّدي ؛ لأنّ الأمارة تحقّق العلم التعبّدي فيكون أحد فردي العلم وهو ما ادّعى الشارع كونه علما هو الثابت.
فإن قيل : هذا لا ينطبق على حالة التعارض بين الأمارة والاستصحاب ؛ لأنّ