ويرد عليه : أنّ الخبرين المتعارضين إمّا أن نحتمل كذبهما معا أو لا نحتمل ذلك ، بل كان يمكن صدق أحدهما.
فإن احتملنا كذبهما معا فهذا معناه أنّ غير معلوم الكذب الذي نريد تطبيق دليل الحجّيّة عليه على إجماله لا تعيّن له في الواقع ، وبالتالي لا تعيّن لغير المعلوم كذبه إجمالا أيضا ؛ وذلك لتساوي العلم بالنسبة إليهما لأنّ المفروض عدم تميّز أحدهما عن الآخر بلحاظ الكذب وعدمه.
وهذا معناه أنّ دليل الحجّيّة لا يمكن أن يشمل غير معلوم الكذب ؛ لأنّه لمّا لم يكن له تعيّن في الواقع فلا يكون حجّة ؛ للتعارض في شمول دليل الحجّيّة لهما ؛ لأنّ كلاّ منهما يحتمل كونه غير معلوم الكذب.
والوجه في عدم التعيّن الواقعي : هو أنّ التعارض بينهما ناتج عن التنافي بين المدلولين فقط ، وأمّا سائر الخصوصيّات فهي متساوية بينهما.
وأمّا إذا كان التعارض بينهما ناتجا عن كون أحدهما فيه خصوصيّة تمنع من الأخذ بخبره ككونه من العامّة مثلا ، أو من الفرق المنحرفة واشتبه الأمر علينا فلم نميّز خبر الثقة الإمامي عن خبر الثقة من الفرقة المنحرفة ، فهذا يمكن فيه الأخذ بدليل الحجّيّة وتطبيقه على غير معلوم الكذب ؛ لأنّ له تعيّنا في الواقع وفي علم الله عزّ وجلّ.
وأمّا في مقامنا فلا تميّز لأحدهما على الآخر ، ممّا يعني أنّه لا تعيّن له في الواقع ، ودليل الحجيّة إنّما يطبّق على الخبر المشخّص والمتعيّن لا على مفهوم الخبر أو عنوان الخبر إجمالا ؛ لأنّه ليس خبرا بنفسه ليشمله دليل الحجّيّة.
وأمّا إن احتملنا كذب أحدهما فقط دون الآخر بأن كان أحدهما صادقا والآخر كاذبا ، ولم نميّز الصادق من الكاذب ، فهنا لا نحتاج إلى تطبيق دليل الحجّيّة على عنوان غير معلوم الكذب ، بل نطبّقه ابتداء على الخبر الصادق واقعا ، وبه ينتفي الاحتمال الثالث.
وبهذا ظهر أنّ تطبيق دليل الحجّيّة على عنوان غير معلوم الكذب غير معقول في نفسه بهذا المعنى.
ثالثها : وهو تعميق للوجه الثاني ، وحاصله : الالتزام بحجّيّة كلّ من المتعارضين