ابتداء ، فإن كان أحدهما قرينة نوعيّة تمنع من انعقاد الظهورين معا فالكلام الثاني يكون قرينة ، وإن لم يكن كذلك بأن كان الظهور تامّا في كلّ منهما فلا يكون بينهما تلك القرينة النوعيّة.
وعلى هذا الضوء نعرف أنّ القرينيّة مع الاتّصال توجب إلغاء التعارض ونفيه حقيقة ، ومع الانفصال توجب الجمع العرفي بتقديم القرينة على ذي القرينة لما عرفت ، كما أنّ بناء العرف قائم على أنّ كلّ ما كان على فرض اتّصاله هادما لأصل الظهور فهو في حالة انفصاله يعتبر قرينة ويقدّم بملاك القرينيّة.
اختصاص الجمع العرفي بالقرينة المنفصلة : وعلى ضوء ما تقدّم تعرف أنّ الجمع العرفي إنّما يكون في القرائن المنفصلة لا المتّصلة ؛ وذلك لأنّ الجمع العرفي يكون في فرض وجود دلالتين إحداهما مفسّرة للأخرى.
وهذا المعنى لا يوجد في القرائن المتّصلة ؛ وذلك لأنّ الكلام سوف ينعقد على طبق القرينة المتّصلة من أوّل الأمر ، فلا يكون للكلام إلا دلالة تصديقية واحدة وإرادة جدّيّة واحدة فقط ؛ لما تقدّم من أنّ القرينة المتّصلة توجب هدم الظهور التصديقي وعدم انعقاده على طبق المدلول التصوّري الوضعي.
ممّا يعني تكوين ظهور للكلام على طبق القرينة كما في ( رأيت أسدا يرمي ) ، فإنّ كلمة ( يرمي ) توجب صرف الظهور التصوّري لكلمة ( الأسد ) عن معناها الوضعي وتكوّن ظهورا على طبقها وهو الرجل الشجاع.
وأمّا في القرينة المنفصلة فالظهور ينعقد أوّلا ثمّ يعارضه ظهور آخر أقوى منه بحيث يكون رافعا لحجّيّته ، وهذا معناه فرض وجود دلالتين تكون إحداهما مفسّرة للمراد النهائي من الأخرى ، بحيث يقع التعارض غير المستقرّ والذي نتيجته الجمع العرفي.
والحال أنّه في القرائن المتّصلة لا يوجد تعارض أصلا ، وبالتالي لا موضوع للجمع العرفي ، بينما في القرائن المنفصلة يوجد التعارض بين الظهورين ولكن يجمع بينهما جمعا عرفيّا ؛ لأنّه تعارض غير مستقرّ.
هذه هي نظريّة الجمع العرفي على وجه الإجمال ، وستتّضح معالمها وتفاصيلها أكثر فأكثر من خلال استعراض أقسام التعارض غير المستقرّ التي يجري فيها الجمع العرفي.