لأبي بكر ، فلا يستحق قتلا ولا ذما ، على أن قوله : مثلها .. يقتضي وقوعها على الوجه الذي وقعت عليه ، وكيف يكون ما وقع من غير مشاورة لضرورة داعية وأسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة ، ومن غير ضرورة ولا أسباب؟.
والذي رواه عن أهل اللغة من أن آخر يوم من شوال يسمى : فلتة ، من حيث إن كل من (١) لم يدرك فيه ثاره فقد فاته (٢) .. فإنا لا نعرفه ، والذي نعرفه (٣) أنهم يسمون الليلة التي ينقضي بها أحد الشهور الحرم ويتم : فلتة ، وهي آخر ليلة من ليالي الشهر (٤) ، لأنه ربما رأى قوم الهلال لتسع وعشرين ولم يبصره الباقون فيغير هؤلاء على أولئك وهم غارون ، فلهذا سميت هذه الليلة : فلتة ، على أنا قد بينا أن مجموع الكلام يقتضي ما ذكرنا (٥) من المعنى ، ولو سلم له ما رواه عن أهل اللغة في احتمال هذه اللفظة (٦).
وقوله في أول الكلام : ليست الفلتة : الزلة والخطيئة .. إن أراد أنها لا تختص بذلك فصحيح ، وإن أراد أنها لا تحتمله (٧) فهو ظاهر الخطإ ، لأن صاحب العين قد ذكر في كتابه أن الفلتة من الأمر الذي يقع على غير إحكام (٨).
وبعد ، فلو كان عمر لم يرد بقوله توهين بيعة أبي بكر بل أراد ما ظنه المخالفون ، لكان ذلك عائدا عليه بالنقص ، لأنه وضع كلامه في غير موضعه ،
__________________
(١) لا توجد في المصدر : إن كل من.
(٢) لا توجد في المصدر : فقد فاته.
(٣) في الشافي : نعرفه من القوم.
(٤) انظر لمزيد الاطلاع : النهاية ٣ ـ ٤٦٧ ، والقاموس ١ ـ ١٥٤.
(٥) في المصدر : ما ذكرناه.
(٦) وهذا ما نقله ابن أبي الحديد عن الشافي في شرحه على النهج ٢ ـ ٣٤ ـ ٣٥ ، بتصرف وتحريف في بعض كلماته.
(٧) في المصدر : لا تحملها.
(٨) كتاب العين ٨ ـ ١٢٢ ، وقد ذكره في لسان العرب ٢ ـ ٦٧ ، وقال في القاموس ١ ـ ١٥٤ ، والصحاح ١ ـ ٢٦٠ : وكان الأمر فلتة .. أي فجأة من غير تردد وتدبر ، وزاد في القاموس : وفلتات المجلس :هفواته وزلاته.