خلافة أبي بكر وسيلة إلى ما هو مقصدهم الأقصى ، وقرة عيونهم من دفع أهل البيت عليهمالسلام عن هذا المقام ، فكان قدح عمر في أبي بكر تخريبا لهذا الأساس ومناقضا لذلك الغرض ، ولم يكن كارها لخلافة أبي بكر إلا لأنه كانت خلافة نفسه أحب إليه وأقر لعينه ـ كما يظهر من كلام السيد رضياللهعنه ومن رواياته ـ.
ومن نظر بعين الإنصاف علم أن تعظيم عمر لأبي بكر وإظهاره الرضا بإمارته ـ مع كونها وسيلة لانتقال الأمر إليه وصرفه عن أهل البيت ـ لا دلالة فيه بوجه من الوجوه على تدينه بإمامة أبي بكر ، وكونها أحب إليه من خلافة نفسه ، وإن ما ادعوا من العلم الضروري في ذلك ليس إلا عتوا في التعصب وعلوا في التعسف.
لا يقال : إذا كانت خلافة أبي بكر أساسا لخلافة عمر وسببا لدفع علي عليهالسلام عنها فكيف كان عمر ـ مع شدة حيلته ودهائه ـ يقول على رءوس الأشهاد :كانت بيعة أبي بكر فلتة ـ بالمعنى الذي زعمتموه؟ وكيف يظهر مكنون ضميره لأبي موسى والمغيرة وغيرهما ـ كما يدل عليه الروايات المذكورة؟!.
لأنا نقول : أما إفشاؤه ما أسر في نفسه إلى أبي موسى والمغيرة وابن عمر فلم يكن مظنة للخوف على ذهاب الخلافة ، إذ كان يعرفهم بحبهم له وثيق (١) بأنهم لا يظهرون ذلك إلا لأهله ، ولو أظهروه لأنكر عليهم عامة الناس ، فلم يبال بإفشائه إليهم.
وأما حكاية الفلتة ، فكانت بعد استقرار خلافته وتمكن رعبه وهيبته في قلوب الناس ، وقد دعاه إليها أنه سمع أن عمار بن ياسر كان يقول : لو قد مات عمر لبايعت عليا عليهالسلام ـ كما اعترف به الجاحظ ، وحكاه عنه ابن أبي
__________________
(١) كذا ، والظاهر : يثق ـ بتقديم الياء المثناة على الثاء المثلثة ـ.